الأحد, 9 نوفمبر 2025 08:36 PM

جرائم خطف النساء في سوريا: شهادات الناجيات تفضح التستر ومخاطر الإنكار

جرائم خطف النساء في سوريا: شهادات الناجيات تفضح التستر ومخاطر الإنكار

تسعى معظم النساء اللاتي تعرضن للخطف إلى تجاوز هذه التجربة المؤلمة وإغلاق هذا الملف، ويتجنبن الحديث عن تفاصيل ما حدث، بل إن بعضهن قد يضطررن إلى إنكار واقعة الاختطاف برمتها، وذلك بسبب المخاوف والمخاطر المحتملة التي تحيط بهن.

سناك سوري – بلال سليطين

أصدرت وزارة الداخلية مؤخرًا تقريرًا ذكرت فيه أنها حققت في الأخبار المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي حول حوادث خطف النساء في الساحل السوري وحمص وحماة، وتوصلت إلى أن حالة واحدة فقط كانت اختطافًا. هذا التقرير، الذي لا نشكك فيه، ربما فحصت اللجنة بعض حالات الاختطاف وتوصلت إلى هذه النتيجة في الحالات التي حققت فيها. ولكن هل يمكن تعميم هذه النتيجة على جميع الحالات؟ بالطبع لا، وهذا الرفض مدعوم ومؤكد بشهادات الناجيات اللواتي لا يمكن تكذيبهن، وتقارير حقوقية، وتواتر الحالات وتكرار الأنماط، ووجود نساء مفقودات منذ 7 أشهر دون الكشف عن مصيرهن حتى الآن، وغير ذلك الكثير.

إنكار الخطف.. يشجع الخاطفين ويعزز الثقة بالإفلات من العقاب

قضية الخطف لها أبعاد أمنية واجتماعية وطائفية، وإنكارها أو محاولة التقليل من شأنها يشجع الخاطفين ويعزز ثقة المجرمين بقدرتهم على الإفلات من العقاب، ويزيد من الخوف لدى العائلات. هناك تقارير صادرة عن منظمة العفو الدولية، ووسائل إعلام موثوقة، والأمم المتحدة، ومؤسسات حقوقية سورية مرموقة وقفت مع السوريين في أصعب الأوقات على مدى 14 عامًا، وكانت دائمًا منحازة لحقوق الإنسان، وكل هذه التقارير تؤكد وتثبت حالات خطف النساء. والتشكيك في هذه المنظمات ليس في مصلحة السوريين، احترامًا للضحايا، لأن هذا التشكيك يسيء للضحايا في الحاضر والماضي، والتقارير التي صدرت عن هذه المنظمات أشارت إلى الانتهاكات والجرائم التي ارتكبت بحقهم.

وقبل كل ذلك، هناك ناجيات يؤكدن أنهن اختطفن ويشرحن كل ملابسات الخطف، ومسؤولية المجتمع هي تصديقهن حتى يثبت العكس في كل قضية على حدة. فهذه القضايا ليست مجرد أرقام، بل كل حالة هي قضية وطنية. هذا الملف ليس ملفًا سياسيًا، بل هو قضية حقوقية وإنسانية وأخلاقية. نحن نعيش اليوم في دولة خارجة من حرب طويلة فيها مشكلات مجتمعية، وحالة استقطاب حادة، وتراكم عنف وكراهية على مدى 14 عامًا، وتغيير كامل في بنية الدولة ونظام الحكم، ومن الواقعي أن يكون فيها فراغات أمنية، لكن حل مشكلاتها يبدأ من الاعتراف بها وليس من إنكارها.

لجنة وزارة الداخلية للتحقيق بجرائم الخطف… تخويف المجرمين وخصوصية الضحايا

بالعودة إلى اللجنة التي أعلنت وزارة الداخلية أنها حققت في الملف، فهي لجنة "سرية" لم يسبق الإعلان عنها ولا تقديمها للرأي العام، وهذا الإجراء بحد ذاته قلل من وقعها العام ومن تأثيرها على ردع الخطف وإثارة الخوف لدى العصابات التي تمارس الخطف.

إحدى المختطفات منذ شهر شباط 2025 وحتى اليوم، أوقف مجموعة مسلحين سرفيس نقل كانت تستقله وأنزلوها منه أمام أعين الركاب وبالتزامن مع عبارات ذات نمط معين واقتادوها لجهة مجهولة حتى يومنا هذا مركز مناهضة العنف والكراهية في سوريا

كما أن اللجنة كانت غير معروفة لناحية جميع أعضائها، ومن خلال البيانات التي حصلنا عليها يتبين أن جميع أعضائها ذكور وغير مختصين أصلاً بقضايا النساء وإن كان بعضهم مختص بالقضايا الجنائية. وقضية خطف النساء حساسة والتحقيق بها يحتاج لنساء في هذه اللجان، ولعضوات من بيئة الضحايا لبناء الثقة معهن في ظل المخاطر المحيطة بهن. وكذلك أن يتمثل في هذه اللجنة ولو كمراقبين أعضاء من منظمات حقوقية سورية رصينة ومحايدة ومعنية بالتوثيق والدفاع عن حقوق الإنسان.

توثيق حالات الخطف… أشكال وأنماط تغييب وإخفاء قسري

خلال 11 شهرًا مضت، وثق مركز مناهضة العنف والكراهية حوادث اختطاف متكررة ومستمرة حتى الآن، بعضها لحالات اختطفت في شهر شباط 2025 ولم تعد إلى اليوم، وشهادات الشهود تشير إلى أن إحدى الحالات مثلاً خطفت من وسيلة نقل عامة وأمام عدة شهود. وحالة أخرى خطفت من على باب مركز صحي وما يزال مصير الحالتين مجهولاً حتى الآن.

هناك مختطفات عدن، وقدمن معلومات واسعة عن الخاطفين، وظروف الاحتجاز، ومنهم حالة التقت بزوجة الخاطف ودعتها للزواج من زوجها. ومن ثم حررها خاطفوها بعد بعض مفاوضات مضنية وأرسلوها بلباس معين ومعها كتب ذات هوية معينة تعطينا تصورًا عن أسباب الخطف.

بعض المختطفات تعرضن للعنف الجسدي، وبعضهن نقلن للمستشفيات بعد إخلاء سبيلهن، وهناك حالات عادت من الخطف وغادرت الضحايا البلاد مع عائلاتهن بسبب الخوف

لقد وثقت التقارير الرصينة مختطفات تعرضن للعنف الجسدي وترك لديهن جراح آليمة، بعضهن يعاني حاليًا من أزمات نفسية، وبعضهن غادر البلاد مع عوائلهن نتيجة ما حدث معهن. معظم المختطفات اللواتي وثقت قصصهن طلب من ذويهن قبل إطلاق سراحهن إنكار الخطف، وتعرضوا لتهديدات مخيفة إذا استمروا بالحديث عن الاختطاف. وبعضهن يشرح كل تفاصيل الخطف بشرط عدم النشر وعدم ذكر الأسماء، وبعضهن لا يخشى فقط من الخاطفين بل يخشى من قراءة تعليقات الذباب الإلكتروني والتقارير المسيئة للضحايا.

خاطفون يمتلكون فائض القوة وسهولة الحركة

هذا الملف يدمر حياة عائلات ونساء، هناك حالة خوف من الحديث بالموضوع، مخاوف من الانتقام من فائض القوة الذي يمتلكه الخاطفون. ومخاطر على الضحايا تدفع الكثير من الحالات للسعي نحو إغلاق الملف بسرعة بعد عودة المختطفة وهي أسباب يجب احترامها وتفهمها والعمل على معالجة الموضوع من جذوره.

هذا ملف يحتاج إلى حل وحله يحتاج إجراءات شجاعة، مثلاً ماذا حدث في قضية الضحية روان في ريف حماة!، أين الفاعلين، لماذا في قضايا أخرى يتم كشف الفاعلين بسرعة وفي هكذا قضايا تكون الاستجابة ضعيفة!. هناك ضعف في التعامل مع الانتهاكات التي ترتكب بحق مجموعات من المواطنين السوريين.

كما أن الذين ارتكبوا المجازر في الساحل لم تنشر وزارة الداخلية خبر توقيف شخص واحد منهم ولم تظهر لنا أي معلومة عن هوياتهم عن جرائم محددة بالصوت والصورة ارتكبوها وحوسبوا عليها. بالمقابل نجد اخبار اعتقالات مشاركين بأحداث الساحل من فلول النظام كل يومين ثلاثة مع أسماء ووجوه مكشوفة وجرائم محددة. وهذا يدمر الثقة، فالعدالة للجميع ويجب أن تكون متساوية وعلى الجميع.

حساسية النساء..

أخيرًا، إن الاعتداءات على النساء حساسة جدًا وتحتاج إلى إجراءات حذرة من قبل وزارة الداخلية تحافظ على سمعة النساء ولا تسيء لهن وتمنع الاعتداء عليهن. نحن أمام جماعات خطف تمتلك فائض قوة لدرجة تستطيع أن تختطف فتاة من جوار بيت أهلها وتسير في سياراتها أكثر من 50 كم، هذه السيارات يجب أن يتم إيقافها، وأن يكون هناك إجراءات واضحة لحصر السلاح، وتوحيد نمر السيارات ومنع الفيميه… ووضع حواجز تفتيش ومراقبة في نقاط محورية لضبط هؤلاء.

لا مصلحة لأحد باستمرار حالات الخطف التي تحدث لا من وزارة الداخلية ولا من المجتمع، وهذا موضوع إنساني ولابد أن يبعد تمامًا عن أي تسييس واستثمار في أي اتجاه كان سوى باتجاه سلامة الضحايا وأمن المجتمع.

مشاركة المقال: