الثلاثاء, 2 ديسمبر 2025 05:02 PM

البابا يختتم زيارته إلى لبنان بدعوة لوقف الأعمال القتالية وسط مخاوف من تصعيد إسرائيلي

البابا يختتم زيارته إلى لبنان بدعوة لوقف الأعمال القتالية وسط مخاوف من تصعيد إسرائيلي

في ختام زيارته التاريخية إلى بيروت، أطلق البابا لاوون الرابع عشر نداءً عاجلاً لوقف الهجمات والأعمال القتالية، وذلك على خلفية المخاوف المحلية المتزايدة من تصعيد إسرائيلي محتمل لضرباتها، خاصة بعد مرور عام على الحرب الدامية مع حزب الله. كما دعا إلى تجاوز العنف والانقسامات التي تعصف بالشرق الأوسط.

خلال الزيارة التي حملت شعار "طوبى لفاعلي السلام"، حث البابا المسؤولين ورجال الدين واللبنانيين على أن يكونوا بناة سلام حقيقيين، والعمل على تجاوز الانقسامات ومواجهة العنف والإقصاء. وأكد إيمانه الراسخ بقدرة اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، على العيش معًا بسلام، مشيراً إلى "اندفاع" الشباب وقدرتهم على "تغيير مجرى التاريخ".

وفي كلمته الوداعية من مطار بيروت، وقبل إقلاع طائرته إلى روما، أعرب البابا عن شكره وتقديره للشعب اللبناني على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة خلال الأيام الثلاثة التي قضاها في لبنان، حيث استقبله الآلاف في الشوارع، متحدين الأمطار الغزيرة.

كما وجه البابا تحية إلى جميع المناطق اللبنانية التي لم يتمكن من زيارتها، قائلاً: "أحيي جميع مناطق لبنان التي لم أتمكن من زيارتها: طرابلس والشمال، البقاع والجنوب الذي يعيش بصورة خاصة حالة من الصراع وعدم الاستقرار. أعانق الجميع وأرسل إلى الجميع أمانيَّ بالسلام".

وأضاف: "أطلق أيضا نداء من كلّ قلبي: لتتوقف الهجمات والأعمال العدائية. ولا يظنّ أحد بعد الآن أن القتال المسلح يجلب أية فائدة. فالأسلحة تقتل، أما التفاوض والوساطة والحوار فتبني. لنختر جميعا السلام وليكن السلام طريقنا، لا هدفا فقط"، دون الإشارة صراحة إلى إسرائيل.

تجدر الإشارة إلى أنه منذ وصول البابا إلى بيروت، لم تعلن إسرائيل عن تنفيذ أي غارات، وذلك بعد تصعيد وتيرة ضرباتها في الأسابيع الأخيرة، والتي أسفرت إحداها على الضاحية الجنوبية لبيروت عن مقتل القائد العسكري لحزب الله هيثم الطباطبائي وأربعة من معاونيه قبل أقل من أسبوعين. وفي المقابل، أكد الأمين العام للحزب نعيم قاسم في كلمة ألقاها الجمعة، أن من حق حزبه الردّ على إسرائيل بعد تلك الضربة، مضيفًا "سنحدد التوقيت لذلك"، الأمر الذي زاد من المخاوف من تجدد التصعيد بين الطرفين.

وتزعم إسرائيل أن هدف ضرباتها هو منع حزب الله من إعادة بناء قدراته العسكرية بعد الحرب الدامية التي خاضها الطرفان لنحو عام، والتي انتهت بوقف لإطلاق النار برعاية أمريكية في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024. وتمارس الولايات المتحدة وإسرائيل ضغوطًا على لبنان لتسريع نزع سلاح حزب الله، بموجب الاتفاق، وهو الأمر الذي يرفضه الحزب المدعوم من طهران.

وفي الحدث الشعبي الأبرز خلال الزيارة، ترأس البابا قداسًا في واجهة بيروت البحرية بمشاركة نحو 150 ألف شخص وفق السلطات، بمن فيهم قادمون من سوريا والعراق والأردن. ودعا البابا في كلمته في ختام القداس إلى "مقاربات جديدة لرفض عقلية الانتقام والعنف، وللتغلب على الانقسامات السياسية والاجتماعية والدينية، ولفتح فصول جديدة باسم المصالحة والسلام".

كما توجه الحبر الأعظم إلى مسيحيي المشرق الذين تضاءلت أعدادهم تباعًا خلال العقدين الماضيين على وقع التوترات والنزاعات في المنطقة، داعيًا إياهم إلى أن يكونوا "فاعلي سلام" و"يتحلوا بالشجاعة".

وفي عظة ألقاها خلال القداس، أشار البابا إلى "مشاكل كثيرة" يعاني منها لبنان، بما في ذلك انفجار مرفأ بيروت المروّع عام 2020، وعدم الاستقرار السياسي، والأزمة الاقتصادية، و"عنفًا وصراعات أعادت إحياء مخاوف قديمة". ودعا إلى توحيد الجهود لاستعادة بهاء لبنان، مؤكدًا أن "ليس أمامنا إلا طريق واحد لتحقيق ذلك: أن ننزع السلاح من قلوبنا، ونسقط دروع انغلاقاتنا العرقية والسياسية، ونفتح انتماءاتنا الدينية على اللقاءات المتبادلة، ونوقظ في داخلنا حلم لبنان الموحّد، حيث ينتصر السلام والعدل، ويمكن للجميع فيه أن يعترف بعضهم ببعض إخوة وأخوات".

زار البابا لبنان، البلد القائم على توازنات طائفية وسياسية دقيقة، بعد أن أنهكته سلسلة من الأزمات الاقتصادية والانقسامات السياسية، وصولًا إلى الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل.

وقبيل وصوله إلى موقع القداس، أقام البابا صلاة صامتة في مرفأ بيروت أمام نصب ضحايا انفجار الرابع من آب/أغسطس 2020، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 220 شخصًا وإصابة الآلاف بجروح، ودمار في العاصمة. وصافح عددًا من أهالي الضحايا الذين استقبلوه بالدموع حاملين صور أحبائهم، وجثا أمام طفل صغير حمل صورة والده في مشهد مؤثر.

وقال الحبر الأعظم قبيل مغادرته بيروت إنه يحمل معه "ألم وعطش" عائلات ضحايا الانفجار الذي "دمّر…حياة الكثيرين".

ولا تزال عائلات الضحايا تطالب بالعدالة بعد أعوام على الفاجعة، حيث غرق التحقيق بشأن الانفجار منذ العام 2023 في متاهات السياسة، بعدما قاد حزب الله حينها حملة للمطالبة بتنحّي المحقق العدلي طارق البيطار الذي حاصرته لاحقًا عشرات الدعاوى لكفّ يده. لكن القاضي استأنف منذ مطلع العام عمله في ضوء تغير موازين القوى في الداخل بعد الحرب مع إسرائيل.

صباحًا، تفقد البابا مستشفى دير الصليب للأمراض النفسية والعقلية شمال بيروت، حيث استقبله القيمون على الدير والمرضى بالتصفيق والهتاف ونثر الورود البيضاء.

وشكّل لبنان المحطة الثانية من الجولة الخارجية الأولى للبابا الأميركي، بعد زيارته تركيا حيث شدد على أهمية الحوار والوحدة بين المسيحيين. مودعًا البابا في قاعة الشرف في مطار بيروت، برفقة رئيسي الحكومة والبرلمان، قال رئيس الجمهورية جوزاف عون "وإذ نودّعكم، لا نودّع ضيفا كريما فحسب، بل نودّع أبا حمل إلينا طمأنينة وذكّرنا بأن العالم لم ينسَ لبنان، وأن هناك من يصلّي لأجله ويعمل من أجل السلام".

مشاركة المقال: