الجمعة, 28 نوفمبر 2025 12:38 AM

الرئيس الشرع: ذكرى معركة التحرير تؤكد وحدة سوريا ورفضها للتقسيم

الرئيس الشرع: ذكرى معركة التحرير تؤكد وحدة سوريا ورفضها للتقسيم

أكد الرئيس الشرع بمناسبة ذكرى انطلاق معركة تحرير سوريا، والتي تصادف اليوم، أنها محطة تاريخية لاقت ترحيباً واسعاً من معظم السوريين، على الرغم من تأثر البعض بتبعاتها واستيعاب البعض الآخر لضرورتها في الحفاظ على وحدة البلاد وأمنها. وأشار إلى أن الدولة تدرك أنها ستستمر في مواجهة الاعتراضات والتحديات.

وفي اتصال هاتفي خلال اجتماع مع وجهاء ولجان الأحياء لتعزيز السلم الأهلي، صرح الرئيس الشرع: "لقد شهدنا خلال اليومين الماضيين مطالب شعبية محقة، ولكن بعضها كان مسيساً. تؤكد الدولة استعدادها الكامل للإصغاء إلى مختلف المطالب ومناقشتها بجدية".

الساحل السوري في صدارة الأولويات الوطنية

أوضح الرئيس الشرع أن "الساحل السوري يمثل أولوية قصوى في العمل الوطني الحالي، نظراً لأهميته الحيوية على ممرات التجارة الدولية ودوره في تعزيز الربط الاقتصادي بين سوريا ودول المنطقة".

وأضاف أن "الساحل السوري يمتلك المقومات التي تعكس تماسك المجتمع السوري وتؤكد قوة الوحدة الوطنية، كما أن التنوع الاجتماعي والطائفي فيه يمثل إثراءً للدولة السورية".

وأشار الرئيس الشرع إلى أن "الطروحات المتعلقة بالانفصال أو الفيدرالية غالباً ما تنبع من قراءات ضيقة أو نقص في الإلمام السياسي، فحتى الدول الفيدرالية لديها مركزيات قوية في المؤسسات السيادية كالدفاع والأمن والخارجية والاقتصاد، وهي مؤسسات لا يمكن تجزئتها". وأضاف: "الجغرافيا السورية مترابطة ومتكاملة، ومن الصعب فصل أي جزء منها عن الآخر، ولا يمكن للساحل أن تكون له سلطة قائمة بذاتها منعزلة عن بقية المناطق، فموارده مرتبطة بالمنطقة الشرقية، والعكس صحيح، وسوريا بلا منفذ بحري تفقد جزءاً أساسياً من قوتها الاستراتيجية والاقتصادية".

وأكد أن "التكامل القائم بين المناطق السورية اقتصادياً واجتماعياً يبرهن أن دعوات التقسيم أو الانفصال تعكس جهلاً سياسياً وعدم إلمام بواقع الدولة. حتى مفهوم الفيدرالية لا يختلف جوهرياً عن الإدارة المحلية المعمول بها في سوريا، وخاصة القانون رقم 107 الصادر منذ أكثر من 10 أعوام، والذي يتضمن مفاهيم مطروحة اليوم مع إمكانية التعديل".

وقال الرئيس الشرع: "نحن رأس المال لبعضنا البعض، وأي مكوّن يصبح ضعيفاً سيكون عرضة للمشكلات والمخاطر".

إنجازات ملموسة رغم التحديات

أشار الرئيس الشرع إلى أن "سوريا حققت خطوات مهمة وإنجازات ملموسة على مختلف الأصعدة خلال العام الماضي، منذ وصولنا إلى دمشق، على الرغم من التحديات الكبيرة والعقوبات والضغوط والتداعيات الداخلية والخارجية، إضافة إلى القوانين الاقتصادية البالية والأنظمة الإدارية السلبية".

وأضاف: "نحن اليوم أمام مرحلة تاريخية بدأت منذ انطلاق المعركة في مثل هذا اليوم من العام الماضي، وهي محطة مفصلية لا تمس سوريا وحدها، بل تمتد آثارها لتشمل المنطقة بأكملها، وفي هذا الظرف، تتجه أنظار العالم إلى سوريا بانتظار انطلاقة جديدة تعيد التوازن والاستقرار".

وتابع الرئيس الشرع: "من الضروري أن نفكر بعقلية استراتيجية، ونضع أهدافاً بعيدة المدى، وأن نتخلى عن الرؤى الضيقة التي لا تبني دولاً ولا تضمن استقراراً. تجارب كثيرة في دول شهدت صراعات داخلية أثبتت أن محاولات تقاسم السلطة لا تقود دائماً إلى حلول، بل قد تبقى معلّقة لعقود ويسوء حالها أكثر فأكثر".

لا بديل عن المشروع الوطني الجامع

أكد الرئيس الشرع أن "سوريا تجاوزت مرحلة الخطورة بفضل السياسات التي اتبعتها الدولة، والتفاعل الشعبي والمجتمعي من مختلف أطياف المجتمع السوري". وقال: "في هذه المرحلة التاريخية، كل فرد في المجتمع هو جزء من صناعة التاريخ وعنصر فاعل فيه، لذلك لا يمكن لأحد أن ينأى بنفسه أو يعتقد أن الطموحات الفردية أو السعي للسيطرة على جغرافيا معينة يمكن أن تكون بديلاً عن المشروع الوطني الجامع".

وأوضح الرئيس الشرع أن "التحديات التي يواجهها الوضع السوري معقدة، وتتطلب قدراً كبيراً من الوعي والمسؤولية لتحقيق الهدف الأهم: سوريا موحدة ومستقرة. أما على الصعيد الاقتصادي، فليس هناك مخاوف جوهرية، ولكننا نحتاج إلى الوقت لمعالجة المشكلات العالقة".

وأشار إلى أننا اليوم أمام مهمتين أساسيتين في المرحلة المقبلة: حماية البلاد من المخاطر الداخلية والخارجية، والتنمية الاقتصادية، مبيناً أنه في كثير من الأحيان تكون التحديات كبيرة وضاغطة إلى درجة لا يمكن مواجهتها، ولا سيما في المراحل التي تلي انتصار الثورات أو انتهاء النزاعات، حيث تدخل الدول في مرحلة حساسة وخطيرة تُعرف بدوامة ما بعد النزاع والتعطيل، وغالباً ما تحتاج هذه المراحل لسنوات طويلة لتجاوز آثارها، وتتطلب مقومات جديدة وظروفاً داعمة، مع بقاء خشية دائمة من احتمال العودة إلى النزاعات، وقد استطاعت سوريا تجاوز هذه المرحلة.

وأكد الرئيس الشرع أن "عملية البناء تحتاج إلى الوقت، فالاستقرار والنمو الطبيعي للدول عادة ما يكون تدريجياً وتراكمياً، بينما القفزات المفاجئة كثيراً ما تؤدي إلى إشكالات أو تُنتج تصوّرات غير دقيقة، لذلك فإن البناء الصحيح وحده هو ما يرسّخ الأسس المتينة، والدولة اليوم عازمة على وضع منظومة قوانين وأنظمة جديدة خلال السنوات الخمس المقبلة، بما يتيح تأسيس أركان دولة قوية". وأضاف: "نحن لا نسعى لصناعة أمجاد شخصية لأي أحد؛ فقد عشنا مراحل كنا فيها في قلب الخطر، ولم تكن السلطة هي ما يشغلنا، بل كانت الأولوية دائماً لبناء ما يخدم سوريا وواقعها ومستقبلها".

الوحدة الوطنية ركن أساسي

لفت إلى أن الوحدة الوطنية تشكّل ركناً أساسياً لا يمكن الاستغناء عنه، وقد شهدت سوريا في الآونة الأخيرة تفاعلاً ودعماً واسعاً من دول وشعوب محبة لسوريا، حيث تتقاطع للمرة الأولى مشاعر الشعوب مع مواقف حكّامها تجاه قضيتنا.

وقال الرئيس الشرع: إن "التفكير بأهداف استراتيجية بعيدة المدى ضرورة ملحّة في هذه المرحلة، فأنا على دراية كاملة بحجم التحديات الخدمية التي يواجهها المواطنون، سواء في الكهرباء أو الطاقة أو باقي الخدمات، ونعمل على تحسينها بشكل تدريجي، ولا يمكن للبلد أن يقوم على حل أحادي؛ بل من الواجب العمل على عدة مسارات في آنٍ واحد، ومن غير المقبول اختزال هذا المشهد التاريخي الهام بمجرد التركيز على المشكلات، فيما تتجه أنظار العالم نحو سوريا، لنعود ونفتح باب الفتنة من جديد".

السوريون يجمعهم قانون واحد

وأضاف الرئيس الشرع: "نحن كسوريين يجمعنا قانون واحد يحمي الجميع، ونعمل للحفاظ على مبدأ التشاركية وتوسيع مساهمة مختلف المكوّنات في بناء الدولة، وقد رفضنا بشكل قاطع أي صيغة للمحاصصة أو الاستقطاب السلطوي داخل مؤسسات الدولة ووزاراتها، فالجميع شركاء، والجميع معنيون بالمسؤولية".

وتحدث الرئيس الشرع عن تجربة إدلب، التي كان يقطنها نحو 5 ملايين نسمة، وتضم عدداً كبيراً من المؤسسات، وقال: "عرض علينا الانفصال، إلا أننا رفضنا بصورة قاطعة أن تكون سوريا إلا دولة موحدة، كنا نعيش ظروفاً صعبة جداً، من قصف ودمار وتهجير، وأكثر من ثلثي الأهالي كانوا في المخيمات، ورغم ذلك تمكّنا من تقديم نموذج اقتصادي وخدماتي متطور".

وتابع: إنه اليوم، على مستوى سوريا كلها، باتت الإمكانيات أكبر والظروف أفضل بما يتيح لنا الحياة بشكل كريم ومستقر، وكل طرح ضيق يهدف لخدمة مصالح شخصية لا يمثّل واقع السوريين، لأن قدرتنا على العيش معاً هي الأساس، وهي الحقيقة التي أثبتتها التجربة.

ودعا الرئيس الشرع إلى إنهاء حالة الانقسام، وقال: "لقد آن الأوان لإنهاء حالة الانقسام التي زُرعت في نفوس السوريين، لأكثر من ستين عاماً، وقال: "نحن الآن أكثر فهماً وتماسكاً وقدرة على بناء سوريا معاً، نعوّل على الوعي الكبير الذي يمتلكه السوريون، داخل البلاد أو خارجها، ومحبتهم الراسخة لبلدهم، لبناء سوريا أقوى وجعلها عصية على جميع محاولات التقسيم".

مشاركة المقال: