الثلاثاء, 2 ديسمبر 2025 12:37 PM

السويداء: أزمة الرواتب تخنق المدينة - خمسة أشهر من الانتظار للموظفين والتجار والسائقين

السويداء: أزمة الرواتب تخنق المدينة - خمسة أشهر من الانتظار للموظفين والتجار والسائقين

لم تتلق عائلة رؤى في السويداء سوى راتب واحد منذ خمسة أشهر. والدها المتقاعد وأختها المعلمة لم يتقاضيا رواتبهما خلال هذه الفترة، وتحاول العائلة "تدبر أمرها"، كما تقول رؤى، بالاعتماد على مبلغ بسيط من إيجار شقة صغيرة كانت لجدّيها.

سناك سوري-رهان حبيب

الحياة في السويداء لم تعد طبيعية. توقف الأفران لأيام، وانقطاع الكهرباء والمياه، كلها تفاصيل أصبحت "أمراً اعتيادياً" كما تصفه رؤى، البالغة من العمر 33 عاماً. وتضيف: "يكفينا ربطتي خبز في الأسبوع، وبعض الخضار، ونبحث عن أكلات لا تحتاج إلى خبز أصلاً، نفطر ونتعشى بما تيسّر".

قبل يومين، قبضت أختها راتباً واحداً من أجورها المتأخرة، وصرفته قبل أن تعود إلى البيت، اشترت بعض المؤن، وبعض الخضار والفواكه التي لم تدخل بيتهم منذ أشهر. قصة رؤى ليست سوى واحدة من آلاف القصص في السويداء، حيث تدفع العائلات ثمن أزمة تتفاقم شهرياً، بسبب تأخر الرواتب عن الموظفين، دون تفسير أو حلول.

وفي حين تحاول عائلات كثيرة الصمود بأقل القليل، يقرأ الباعة أحوال الناس من حركة السوق. محسن عثمان، 51 عاماً، الذي يفرش بسطته منذ سنوات طويلة بجانب مديرية تربية السويداء، يعرف أن مؤشر الراتب لا يحتاج إلى نشرة إخبارية: "إذا أقبل الزبائن، يعني أن بعض الموظفين قبضوا، ما بدها دليل".

ويتابع لـ"سناك سوري": «أشهر طويلة مرّت علينا بعد هجوم تموز، نقف لساعات ولا يباع إلا القليل من البضاعة، لا مال بين أيدي الناس، والجميع ينتظر الحوالات التي انقطعت لفترات طويلة، وكذلك الرواتب”.

كثيرون يسألون عن الأسعار، ثم يغادرون دون شراء، لكن في الأيام التي تُصرف فيها الرواتب، والتي أصبحت تأتي مرة كل خمسة أشهر، يعود الزبائن، يشترون ولكن بكميات قليلة. رغم ذلك، استمر محسن في عمله، "ما في خيارات جديدة لمن تجاوز الخمسين"، يقول بابتسامة تعب، فالعمل على بسطة، كما يرى، أفضل بكثير من أعمال مجهدة لا تناسب عمره أو قدرته الجسدية.

وفي ظل هذه الظروف، لا يواجه البائع وحده تحديات العمل وسط ركود السوق، بل يشاركه القلق نفسه سائق التاكسي، وبائع الملابس، وكل من يعتمد في رزقه على حركة الناس وإنفاقهم. الجميع أمام خيارات صعبة: إما الاستمرار في العمل رغم الخسارة، بسبب ندرة البيع، أو التوقف عن العمل تماما. لكن كلا الخيارين لا يحتمل، فـ"في البيت عائلة تنتظر لقمة واحتياجات بالكاد نغطي الحد الأدنى منها"، كما يقول سائق التاكسي رضوان أبو غازي (55 عاماً).

يُضيف رضوان: "ضيق حال الأهالي وانقطاع الرواتب ينعكس علينا نحن أصحاب المهن الحرة، من سيختار ركوب السيرفيس أو التاكسي إذا لم يكن في جيبه ثمن ربطة خبز؟"، ويتابع: "كثيرون يختارون الحافلة الأرخص، وكثيرون آخرون باتوا يذهبون سيرا على الأقدام، كما هو الحاصل هذه الأيام".

يختم حديثه: "أكثر من عشرين عاما عملت كسائق تاكسي لا أملك غير هذه السيارة ولا فرصة لعمل بديل، انتظر رزقي المرتبط مباشرة بقدرة الأهالي وتحسن أوضاعهم، وإن تحسنت الأوضاع سنكون جميعا بخير".

آلاف الموظفين في السويداء لا يستلمون رواتبهم بشكل منتظم، ومنهم من لم يستلم منذ عام أو أكثر، ومنهم منذ خمسة أشهر، سواء كان نازحا أو غير نازح، مما جمد حركة الأسواق لتقتصر على الأساسيات ولا غيرها ضمن مستويات معيشية سيئة للشاري والبائع والعامل وكل الشرائح.

وفي شهر أيلول الفائت، أعلن محافظ "السويداء" "مصطفى البكور" البدء بصرف رواتب العاملين في مديرية التربية وفقاً للإجراءات المعتمدة وانطلاقاً من الحرص على حفظ الحقوق وصون الكرامة. وأضاف أن الحق لا يسقط بالتقادم وأن الدولة تقف إلى جانب المعلمين كواجب وطني وأخلاقي، مؤكداً من جانب آخر المباشرة في صرف رواتب المتقاعدين المسجلين لدى مؤسسة التأمين والمعاشات، واعتبر أن الوفاء للمتقاعدين امتداد طبيعي لرسالة الدولة في حفظ الكرامة وصون الحقوق.

مشاركة المقال: