السبت, 15 نوفمبر 2025 12:19 AM

تقرير: تصاعد مقلق في استهداف الإعلاميين عالمياً وتراجع آليات الحماية الدولية منذ عام 2014

تقرير: تصاعد مقلق في استهداف الإعلاميين عالمياً وتراجع آليات الحماية الدولية منذ عام 2014

دمشق-سانا: مع تصاعد حدة النزاعات الدولية والإقليمية في السنوات الأخيرة، شهد العالم ارتفاعاً غير مسبوق في استهداف الإعلاميين الذين يعملون في الخطوط الأمامية لنقل الأحداث، مما يعرضهم لمخاطر جسيمة تصل إلى القتل المتعمد. وفي المقابل، تشهد آليات الحماية الدولية تراجعاً ملحوظاً في فعاليتها.

تشير أحدث التقارير الدولية إلى أن السنوات الثلاث الأخيرة سجلت أعلى معدلات الضحايا منذ عام 2014. ففي عام 2023، قُتل أكثر من 130 صحفياً حول العالم، بزيادة تقارب 60% عن العام السابق. ويُعتبر عام 2024 الأكثر دموية بالنسبة للصحفيين منذ عقد، حيث وصل عدد الضحايا إلى نحو 170 صحفياً، معظمهم في الشرق الأوسط وأوكرانيا. وحتى منتصف عام 2025، تم توثيق أكثر من 70 حالة قتل لصحفيين، بالإضافة إلى عشرات حالات الخطف والإخفاء القسري. وتظهر التقارير أن أكثر من 70% من حالات القتل وقعت في مناطق نزاع مباشر، بينما ارتبطت الحالات الأخرى بتغطية التظاهرات الواسعة والاضطرابات الأمنية، خاصة في بعض دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا.

سجل قطاع غزة في فلسطين المحتلة أعلى معدل لاغتيال الصحفيين، حيث شهدت الحرب الإسرائيلية على غزة واحدة من أقسى الهجمات الممنهجة ضد الإعلاميين. وخلال الفترة ما بين 2023 و 2024، قُتل أكثر من 115 صحفياً فلسطينياً، وفقاً لتوثيقات منظمات دولية، وتشير إلى أن الغالبية العظمى قُتلوا نتيجة استهداف مباشر لمساكنهم أو مركباتهم أو مواقعهم الصحفية. كما شهدت هذه الفترة تسجيل أكثر من 200 حالة إصابة، وهدم عشرات المؤسسات الإعلامية بشكل كامل. ويعتبر هذا الرقم الأعلى منذ حرب البوسنة في التسعينيات، ويعكس تحولاً خطيراً، حيث لم يعد استهداف الصحفي مجرد خسارة جانبية، بل جزءاً من عملية عسكرية لطمس الحقائق.

مع اشتداد الحرب الروسية الأوكرانية، ظهر نمط جديد من استهداف الصحفيين، حيث أصبح استخدام الطائرات المسيرة المفخخة أسلوباً شائعاً في ملاحقة واستهداف الصحفيين. ويتم رصد تحركات الفرق الإعلامية بدقة عبر الذكاء الاصطناعي قبل استهدافها. وقد قُتل أكثر من 30 صحفياً منذ عام 2022، معظمهم بالقرب من خطوط التماس بين الجيشين الروسي والأوكراني.

منذ عام 2011، الذي شهد اندلاع الثورة في سوريا ضد النظام البائد، وثقت منظمات حقوقية مقتل أكثر من 330 صحفياً، بينهم مراسلون محليون وأجانب، بالإضافة إلى مئات الإصابات والاعتقالات والخطف. وفي اليمن، أدى الانقسام السياسي والعسكري إلى مقتل 52 صحفياً منذ عام 2015، إضافة إلى محاكمات وإعدامات ميدانية طالت عشرات الصحفيين. بينما عاش الصحفيون في العراق فترات صعبة شكلت خطراً متزايداً قبل أن تنخفض وتيرة العنف مقارنة بعقد مضى.

لم تعد الجبهة العسكرية هي مصدر الخطر الوحيد، فالصحفيون اليوم يواجهون مصادر خطر متعددة ليس من السهل الإحاطة بها كلها، فبعضها مستحدث غير مسبوق، ويعد الاعتقال والتعذيب في أكثر من 30 دولة من أكثر هذه المصادر انتشاراً، يليه الاختطاف مقابل فدية، وهو أسلوب ينتشر على نطاق واسع في أفغانستان والساحل الإفريقي، إضافة إلى الابتزاز الرقمي، مع استخدام متزايد للبرمجيات التجسسية لاستهداف هواتف الصحفيين، وخاصة في الشرق الأوسط.

أدى تطور أدوات الرقابة الرقمية إلى تزايد هشاشة الصحفيين ووقوعهم ضحايا للاستهداف، بغض النظر عن ماهيته، إذ يتعرض أكثر من 45% من الصحفيين الذين يعملون في النزاعات لمحاولات اختراق لأجهزتهم. وقد تم في هذا السياق الكشف عن استخدام برمجيات تجسس عالية التطور من قبل عدة حكومات لتعقب المراسلين ومصادرهم، كما تم رصد حملات تشويه منظمة تستهدف مصداقية الصحفيين على منصات التواصل، وهو شكل مستحدث من القمع غير المباشر.

يرى خبراء الإعلام الدولي أن استهداف الصحفيين لم يعد مجرد نتيجة للفوضى الأمنية، بل أصبح ظاهرة لها دوافع واضحة لعدة عوامل، منها منع نقل الجرائم والانتهاكات إلى الجمهور العالمي، والسيطرة على الرواية الإعلامية للحرب، إضافة إلى تضارب مصالح الجهات العسكرية والسياسية مع التغطية المستقلة، وضعف آليات الحماية الدولية وفشل الأمم المتحدة في ردع المنتهكين.

رغم وجود اتفاقيات دولية، مثل اتفاقيات جنيف وقرارات مجلس الأمن بشأن حماية الصحفيين، فإن معدل الإفلات من العقاب يتجاوز 85% من الجرائم المرتكبة ضد الإعلاميين خلال العقد الماضي، كما أن التحقيقات المستقلة نادراً ما تصل إلى نتائج حاسمة، ما يشجع أطراف النزاع على المضي في سياسة “إسكات الشهود”.

في محاولة للسيطرة على ظاهرة استهداف الصحفيين واحتوائها، يدعو مختصون في الإعلام وحقوق الإنسان إلى تفعيل آليات رقابية ملزمة للدول الأطراف في النزاعات وإدراج حماية الصحفيين ضمن أولويات مفاوضات وقف إطلاق النار، وإنشاء قاعدة بيانات دولية موحدة لتوثيق الانتهاكات، إلى جانب فرض عقوبات على الأطراف التي تستهدف الإعلاميين بشكل منهجي.

ويبقى الصحفيون في الوقت الذي تتصاعد فيه النزاعات وتتشابك فيها الدعاية مع العمليات العسكرية، آخر خط دفاع عن الحقيقة، لكن هذا الدفاع بات يتمّ بثمن فادح، وسط سباق محموم لأطراف النزاعات لتشكيل سردياتها وإخفاء الحقائق عن أعين العالم، وما لم يتحرك المجتمع الدولي بصورة جادة وفاعلة، فإن الحرب على الحقيقة ستظل مفتوحة وتستعر، وسيبقى الإعلاميون يدفعون الثمن الأكبر في ساحات القتال.

مشاركة المقال: