الجمعة, 14 نوفمبر 2025 11:42 PM

حصريًّا: تفاصيل جديدة تُكشف للمرة الأولى عن حياة عبد الغني قصاب واعتقاله

حصريًّا: تفاصيل جديدة تُكشف للمرة الأولى عن حياة عبد الغني قصاب واعتقاله

أُلقي القبض على المدعو "الشيخ" عبد الغني قصّاب، يوم أمس الخميس، في منطقة الشيخ بدر بريف طرطوس. يُعرف قصّاب بأنه أحد الشخصيات البارزة التي سعت إلى اختراق شرائح واسعة في حلب تحت غطاء ديني ومذهبي. ولا خلاف على ارتباطه بجهات إيرانية وعلاقاته الأمنية المتينة مع جهات عديدة خلال فترة النظام البائد.

ينحدر عبد الغني قصّاب من مدينة معرّة مصرين بريف إدلب الشمالي، وهو من مواليد عام 1950. بدأ حياته مدرّسًا لمادة الزراعة في المدارس الابتدائية، ثم التحق بمعهد التمريض في إسطنبول حيث أتقن اللغة التركية. يُتهم بالتجسس على الإخوان المسلمين السوريين هناك لصالح النظام البائد، ولكن لا يوجد دليل مؤكد على ذلك.

لا يمتلك القصّاب أي تحصيل علمي شرعي أو دراسة دينية نظامية، ولم يُذكر أنه تتلمذ على يد علماء. ليست له مؤلفات أو كتب معروفة، ولا يحظى بعلاقات جيدة مع الشيوخ في حلب أو إدلب. ويُذكر أنه عندما سُئل عن محدّث حلب الشيخ عبد الله سراج الدين، قال عنه إنه خان الأمانة!

برز اسم القصّاب في ثمانينيات القرن الماضي في مدينة معرّة مصرين وجامعها الكبير. اتخذ من الولائم وجلسات الذكر الدينيّة وسيلة للالتصاق بالمجتمع وتشكيل قاعدة شعبية. تمكن من تشكيل جماعة قوية تتبعه، ترافق ذلك مع حمل للسلاح والخروج بموكب مرافقة شخصية. وفي الأعوام الأخيرة، شكّل جيشًا من المدافعين عنه، خاصة عبر الإنترنت، حيث لا يستطيع أحد انتقاده أو فضحه، وكثير ممن انتقدوه أو حاولوا نصح أتباعه وصلتهم تهديدات بالقتل، حتى بعد تحرير سوريا، والشهادات موثّقة!

في عام 1990، هاجم القصّاب أحد الأطباء من مريديه في إدلب وأطلق الرصاص أمام منزله، بسبب رفض الطبيب تزويج ابنته لابن عبد الغني قصاب، محمد علي. وفي عام 2006، تورّط في قضية استيلاء على مزرعة في حلب تعود لعائلة “جزائرلي”، حيث أقنعهم بالتنازل عنها لصالحه وحوّلها إلى مركز اجتماعات، ليُسجن على خلفية ذلك، قبل أن يُفرج عنه بعد شهر فقط، وعقب خروجه أقام ولائم واحتفالات قال خلالها إنّ الأمن قدّم له اعتذارًا رسميًا وتعويضات مالية!

وحول ذلك، أدلى د. إبراهيم عبد الله سلقيني بشهادة مهمّة – وهو مدرس سابق في كلية الشريعة بحلب، وخطيب سابق لجامع أويس القرني الذي شهد خروج العديد من المظاهرات مطلع الثورة 2011 – قال فيها إنّ: عبد الغني قصاب كان يتبع للمخابرات الجوية مباشرة، وإن عددًا من المصلين في جامع أويس القرني اشتكوا له بأنّ “قصاب” يغرر بالشباب ويقنعهم بكفر عوائلهم ويطلب منهم استدراج قريباتهم لمزرعتهم في كفر حمرة… وأضاف بقوله: كلّمت عمي مفتي حلب أ.د. إبراهيم سلقيني رحمه الله تعالى في هذا فقال لي: عندي علم بذلك، وقد كلّمت الأمن العسكري بشأنهم فاقتحموا مزرعته وهدموا أسوارها واعتقلوهم جميعا، وكان عددهم حوالي 400 شخص، ثم جاء خطاب من الأمن الجوي للأمن العسكري للإفراج عنه وعن اثنين من مساعديه فورا كونهم يتبعون للأمن الجوي وينشطون بتوجيه مباشر منه! وتابع السلقيني النقل عن عمّه: أحد مُساعديه المفرج عنهم يدعى محمد جسري، فيما بقيت تتمة المجموعة قيد التحقيق والضغط النفسي ودراسة شخصياتهم لفترة ثم أفرج عنهم، وأكسبهم ذلك مظلومية بين الناس، فزاد عددهم ووصل إلى قرابة 1200 شخص في منشأة ضخمة في معرة مصرين، فالموضوع خارج طاقتنا تماما!

كان للقصّاب نشاط ملحوظ داخل جامعة حلب، حيث استقطب شريحة من طلاب الهندسة والطب، وكان منهجه قائماً على استدراجهم إلى مزرعته في معرتمصرين، إذ لابدّ من تغريب الطالب عن مجتمعه وأصدقائه، فيجلس الطالب الشهر والشّهرين، مستغنيًا عن أهله، ومتنعّما بما لذ وطاب ماديًّا ومعنويًّا، إلى أن يصل إلى المقام الأعلى في القرب والفناء من الشيخ، حيث يتّهمه الكثير من طلابه بأنه يمارس الرذيلة مع الطلّاب المقربين، إذ لا يمكن لـ “العلوم النورانية والعلم اللدنّي” الذي يدّعيه أن يُغدق عليهم من شيخهم إلا بالتلامس الجسدي، وفي ذلك شهادات مترادفة من ضحاياه من النساء والرجال!

تمكّن الدّعي القصّاب من التأثير بهؤلاء الطلاب، وتبنّى البعض أفكارًا مذهبية مستقاة من المذاهب الشيعية بعد متابعتهم له، ومن أعاجيبه أنّه لا يصلّي مع الجماعة ولا يخطب الجمعة، ولا يقبل لطلابه حضور صلاة الجمعة، لعدم وجود إمام مسلم حسب زعمه، إلا أنّه لا مانع من أدائها أحيانًا، كي لا تثار شكوك الأهالي!

لم يكن عبد الغني قصاب محبوبًا ولا مرغوباً به في قريته في معرة مصرين بريف إدلب، لا سيما مع تكبّره وسوء أخلاقه، ازداد حنق أبناء قريته ضده بسبب موقفه من الثورة، وذلك حين وقف ابنه حسن وسط معرة مصرين ممتشقًا سلاحه محذرًا من المساس بوالده وعائلته، عُرف حسن وشقيقه بمهارتهم في استخدام الكلاشينكوف الروسيّة وقدرتهم على إصابة الأهداف بدقّة، حيث يتهمهم أبناء قريتهم بمسؤوليتهم عن مقتل العديد من أبناء المنطقة في محيط مزرعة القصاب قنصًا في الرأس.

تقع المزرعة على أطراف معرّة مصرين بريف إدلب، وتحوّلت مع الوقت إلى مركزٍ لأنصاره وأنشطته الدينية، وفي كانون الأول 2011 حاصرت كتيبة “فرقة سيلمان المقاتلة” التابعة للجيش الحر مزرعته هذه، فتدخّل جيش النظام البائد، وخرج بواسطة دبّابة وعربة مصفّحة وبمساندة من الطيران المروحيّ إلى حلب، تاركًا خلفه مجموعة من طلاب جامعة حلب – بينهم ابنه عبد الله – ممن كانوا يرتادون مزرعته. على إثر ذلك استُشهد عدد من شباب الجيش الحر، حيث اقتحموا المزرعة ومنزلًا له وقاموا بإحراقه، واحتجزوا طّلاب القصّاب ومريديه فيما قتل أحدهم بالاشتباكات، ليخرج الطلاب بعدها بتسجيل مصور – يشبه الاعترافات – نشر على الإنترنت حينها…

شكّلت الحادثة صدمةً لكثير من مريدي القصاب، لا سيما الأهالي الذين أرادوا انتشال أبنائهم من شِباكِه وشراكه، بعد اكتشاف الكثير من الخفايا عقب دخول المزرعة المحصّنة بالمتاريس إذ عُثر على سيارات وأسلحة، وورود شهادات حول دور أمنيّ يلعبه قصّاب، حيث كان يُصوّر نفسه – أمام جمهوره – على أنه وارث آل البيت وله الأحقيّة بالحكم وسينتزعها من آل الأسد، وأنه امتداد لجماعة إسلاميّة تُحاربها الدّولة، مستندًا إلى مظلوميّة يدّعيها بأنه سجن مرات عدّة لأنه يدعو إلى الله ويُحارب الفساد بمنهج إصلاحيّ!

بعد خروجه من معرّتمصرين، استقر القصّاب في مدينة حلب، وأنشأ مركزًا دينيًا في حي الأعظمية بتسهيل من مريده محمد الجزائرلي وهو الابن الأكبر لصاحب البناء هناك، ليبدأ من خلاله نشاطًا دعويّا عبر دروس ومحاضرات، وحفلات في ذكرى المولد النبوي، لا سيّما في عام 2019 لكنها بقيت في إطار ضيِّق، إلى أن افتُتحت القنصلية الإيرانية بحلب في 22 من أيار 2021، حيث سعت إيران لاختراق المجتمع عبر القوة الناعمة بعيداً عن العسكرة التي لم تحقق أهدافها كما أرادت، وهنا بدأ القصاب بالقفز نحو الأمام، من خلال موقع إلكتروني رسميّ ونشاطات مُعلنة، ومُجسمات ثابتة ومتنقّلة تجسّد بيوت الأنبياء وآل البيت، مع عبارات دينيّة ذات بعد فلسفيّ روحانيّ غير مفهوم أحيانًا!

أقام القصاب نشاطات عديدة في حلب، كان من أبرزها المعرض السنويّ الذي جعل منه محجًّا وقبلة للزوّار، وهو معرض كان يقيمه لمدة شهر في ذكرى المولد النبوي، بمظاهر بذخ شديد، ومؤثّرات سمعية وبصريّة منها تقنية الهولوغرام التي استخدمها في العرض، فضلاً عن الألعاب الناريّة والرصاص في محيط مركزه بمناسبة هذه الذكرى، ليكون بذلك استثناء عن كل مظاهر احتفال المولد في حلب!

الملاحظ أيضًا، جملة الهدايا والعطايا التي كان يُغدقها على زوّاره، لا سيّما طلاب المدارس الخاصة الذين يأتون في رحلات جماعيّة منظّمة بدعوة من مريديه الذين كانوا يطوفون على المدارس والتجمّعات والفعاليات المجتمعيّة لدعوتهم، ولا عجب أن أموالًا طائلة كانت تنفق على ذلك التسويق!

لم يكن القصّاب يفضّل الظهور على وسائل الإعلام أو مواقع التواصل، ولم يُظهر أو يدعو للتشيّع بشكل رسمي أوعلني، إلا تدريجيًّا من خلال رسائل مبطّنة، منها ذكره مرارًا ما قال إنه رغم احترامه، للصحابيين الجليلين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، إلا أن لديهتحفّظات كبيرة” عليهما حسب قوله، إلى أن ظهر في آذار 2022 في قناته الرسميّة على يوتيوب، بتسجيل حمل عنوان: (من هو الشيخ عبد الغني قصاب؟) ذكر فيه أن منهجه يدعو لإحياء ما غاب أو غُيّب من محبّة النبي ﷺ وروحه وهو ما اتفقت عليه الأمّة حسب وصفه، مشيرًا إلى أهميّة الإعلام ورغبته بـ “تبيان الحقيقة وأداء الأمانة والتعايش مع هذا البلد الطيّب” حسب وصفه.

وبالتزامن مع هذا التسجيل وفي ختام معرض “المولد” فوجئ الزوّار بفقرة جديدة عليهم، تتحدّث عن “بئر الغدير” نسبة إلى “غدير خم” وهو المكان الذي ألقى فيه النبي ﷺ خطبة في 18 ذي الحجة سنة 10 هـ، والتي أعلن فيها ولاية علي بن أبي طالب، ويُعد هذا الحدث نقطة خلاف أساسية بين الشيعة والسنة؛ فبينما يحتفل الشيعة به كعيد لولاية عليّ، يعتقد أهل السنة أنه يبيّن فضل علي – رضي الله عنه – ومكانته العالية ولكن دون إثبات خلافته المباشرة!

بعد آخر اعتقال له عام 2002 أقام القصاب علاقات متينة – بشكل سري – مع العميد نوفل الحسين رئيس فرع الأمن العسكري بإدلب ورئيس قسم الإرهاب سابقًا، والذي فهم شخصية القصاب ووجد فيه ضالته من خلال نزعته التي تميل للتسلّط وحبّ الزعامة، وتواردت أنباء أخرى تقول إن آصف شوكت كان على صلة بالقصاب أيضاً.

ويرجّح أن اعتقال نوفل قبل القصاب بأيام قليلة من قبل الأمن الداخلي، كان له الدور الأكبر في معرفة مكان مجموعته وإلقاء القبض عليها. لم يقتصر القصاب على الدروس الدينية، بل جعل من مزرعته ومنزله مكاناً للتدريب على استخدام السلاح ودقّة التصويب، ويؤيد ذلك ظهور أحد طلابه القُدامى وهو طبيب أسنان في حماة يُدعى “فراس الراس” حيث ظهر في أحد دروسه، وهو يحمل بندقية روسية الصنع، ويرقص فيها داخل الدّرس، وذلك عقب إخراج عبد الغني قصّاب مسدّسًا كان يخفيه في ملابسه حيث وضعه على الطاولة، وكأنها رسالة تهديد أرادها في حينه، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن فراس الراس زوجّ ابنته لطبيب أسنان أيضًا يدعى: عز الدين السراقبيّ، والذي بقي مرافقًا للقصاب إلى أن اعتقل مع مجموعته بريف طرطوس مؤخّرًا.

تمتّع القصّاب بعلاقات وثيقة مع القنصلية الإيرانية في حلب ومكتبها “الثقافي” وخلاف كل ما يذكر من تغلغل وانتشار للتشيع في حلب، لم تكن تحظى إيران ولا المذهب الشيعي، بنفوذ في مساجد أو أوقاف حلب، إلّا من خلال القصاب وبعض الشخصيات القليلة المعروفة لأبناء حلب بهذا التوجّه من قبل الثورة، كذلك حظي “قصاب” بنفود وعلاقات في بلدتي كفريّا والفوعة بريف إدلب، بوصفهما من أبرز مراكز النشاط الإيراني في المنطقة، ويروي البعض أن قاسم سليماني زاره شخصيًّا في حلب عام 2016.

مشاركة المقال: