مع التغيرات التي شهدتها مدينة حلب على المستويين الميداني والإداري في السنوات الأخيرة، تجد الفرق التطوعية نفسها أمام مرحلة جديدة تتطلب الانتقال من العمل الأهلي غير المنظم إلى أطر قانونية واضحة. فبعد أن كانت هذه الفرق، في بدايات الثورة السورية، بمثابة سد للفراغ الذي خلفه غياب مؤسسات الدولة في بعض المناطق، أصبحت اليوم مطالبة بالتحول إلى جمعيات أو مؤسسات مرخصة تعمل تحت إشراف مديريات الشؤون الاجتماعية.
يؤكد منسق جمعية حلم الشبابية أن "العمل التطوعي كان ولا يزال ضرورة ماسة لدعم المجتمع"، مشيراً إلى أن المرحلة الحالية تختلف عن سابقتها، حيث لم يعد بالإمكان استمرار الفرق التطوعية دون ترخيص قانوني. ويضيف: "تأسيس الجمعيات أصبح الطريق الأمثل لاستمرار هذا النشاط بشكل رسمي يخدم الدولة والمجتمع في آن واحد".
من جهته، يوضح عبد الرحمن الحافظ، مدير الشؤون الاجتماعية والعمل في حلب، أنه "لا يوجد شكل قانوني للفرق التطوعية؛ فالترخيص ينحصر تحت مسمى جمعية أو مؤسسة، ولا يوجد بالقانون ترخيص للفرق التطوعية. كان سابقاً هناك فرق تطوعية تعمل في المناطق المحررة، لكن حالياً غير مسموح بالعمل تحت هذا المسمى".
رغم ذلك، ترى مريم الكريم، مؤسسة ومديرة جمعية مساحة أمان، أن الفرق التطوعية لا تزال تلعب دوراً محورياً في دعم المجتمع المحلي، من خلال حملات الإغاثة والمساعدات، وتحسين الخدمات العامة، ودعم التعليم والثقافة، وتنمية مهارات الشباب. وتؤكد: "رغم الصعوبات والإمكانات المحدودة، أثبتت هذه الفرق قدرتها على إحداث أثر حقيقي في حياة الناس".
تُظهر التجربة في حلب أن التطوع لا يقتصر على تقديم المساعدة العاجلة، بل يمتد أثره ليشمل تعزيز المشاركة المجتمعية وبناء القدرات المحلية. فمن خلال الانخراط في المشاريع التطوعية، يكتسب الشباب مهارات تنظيمية وقيادية، ويتعلمون كيفية التعامل مع التحديات الواقعية، ما يؤهلهم لاحقاً للعمل في المنظمات والمبادرات المدنية الأخرى.
تشير لجين عزام العرنجي، مسؤولة مشروع في هيئة مار أفرام السرياني، إلى أن "روح التطوع تغيرت كثيراً عن السابق". وتوضح أن الشباب العاملين في المجال التطوعي انقسموا إلى شقين: الأول ما زال يعمل بدافع إنساني خالص، فيما الآخر يرى التطوع وسيلة لبناء سيرة ذاتية قوية للحصول على فرص عمل أو منح خارجية.
وتضيف: "المشهد اليوم أكثر تعقيداً؛ فبينما تستمر بعض الفرق في العمل بإخلاص وتترك أثراً ملموساً، تحولت فرق أخرى إلى كيانات شكلية تبحث عن التمويل أكثر من التأثير". وتشير إلى أن الإجراءات الرسمية قد تشكل أحياناً عائقاً أمام بعض المبادرات الشبابية، رغم الجهود الحكومية لتنظيم هذا القطاع.
أحد أبرز التحديات التي تواجه الفرق التطوعية اليوم هو الإطار القانوني المحدود. فالفرق غير المرخصة تضطر إلى التوقف عن بعض الأنشطة أو البحث عن طرق للتحول إلى جمعيات قانونية، ما قد يؤخر مشاريع مهمة للمجتمع المحلي. ومع ذلك، يرى كثير من العاملين في المجال أن التنظيم القانوني يمثل فرصة أيضاً لإضفاء مصداقية على عملهم وتأمين استمرارية النشاط التطوعي على المدى الطويل.
على الرغم من الصعوبات، يبقى التطوع في حلب عنصراً فاعلاً في النسيج الاجتماعي، إذ يسهم في دعم الفئات الضعيفة، وتعزيز التعليم والثقافة، وتحسين الخدمات العامة. كما أنه يشكل منصة لتطوير قدرات الشباب وصقل مهاراتهم، ويحفزهم على الانخراط المدني والنشاط المجتمعي.
تظل الأسئلة مفتوحة حول مستقبل التطوع في المدينة: هل ستتراجع روح المبادرة تحت وطأة التعقيدات القانونية والمصالح الشخصية؟ أم سيواصل الشباب السعي للحفاظ على جوهر التطوع كقيمة إنسانية ومجتمعية لا تموت مهما تبدلت الظروف؟
في النهاية، يظهر التطوع في حلب كجسر بين الحاجة المجتمعية والقدرة على المبادرة الفردية والجماعية، ما يجعل من الفرق التطوعية حجر أساس في بناء مجتمع مدني قوي ومستدام، قادر على التكيف مع التحديات ومواجهة الأزمات المستقبلية. محمود عبد الرازق ـ زمان الوصل