تعيش محافظة القنيطرة جنوب سوريا وضعًا متوترًا نتيجة التوغلات الإسرائيلية المتكررة في المناطق المتاخمة للشريط الحدودي مع الجولان السوري المحتل. هذه التحركات العسكرية تزيد من الأعباء المعيشية والخدمية على السكان، في ظل تدهور الأوضاع الصحية وغياب البنى التحتية وتعطّل القطاعات الحيوية كالتعليم والزراعة.
يرصد هذا التقرير الواقع الميداني في المحافظة من خلال شهادات لمواطنين ونشطاء، بالإضافة إلى مواقف رسمية، لتسليط الضوء على التحديات التي تواجه القرى الحدودية وصمود الأهالي في وجه الممارسات التي تهدد استقرارهم.
أكد الناشط الإعلامي نور أبو حسن أن التوغلات تتركز في قرى الرفيد، العشة، الإصبح، عين القاضي، صيد الجولان، الحميدية، والصمدانية الغربية، حيث تتسبب الدوريات الإسرائيلية بشلل في الحركة. وأضاف لموقع سوريا 24 أن عمليات التفتيش اليومية تثير الخوف، خاصة لدى المزارعين ورعاة الأغنام الذين يُمنعون من الوصول إلى أراضيهم، مما ألحق أضرارًا بالزراعة والغطاء الحراجي.
حذر حسين مريود من بلدة جباثا الخشب من تفاقم الوضع، مشيرًا إلى أن استمرار التوغلات يدفع بعض الأهالي إلى بيع ممتلكاتهم ومغادرة المنطقة باتجاه دمشق بحثًا عن الأمان. وأفاد علي المحمد من صيدا الحانوت بأن الأوضاع الأمنية أجبرت الأطفال والنساء على البقاء في المنازل، مع مخاوف من الاعتقالات أو المضايقات. وأضاف أن الخدمات الصحية والتعليمية شبه غائبة، ولا تتوفر سيارات إسعاف أو فرق طوارئ، فيما تتوقف المدارس عن العمل خلال التوغلات.
أشار رامي الحمد من البلدة نفسها إلى أن الحياة اليومية أصبحت مرهقة نتيجة القيود المفروضة على التنقل، وتأثرت سبل العيش القائمة على الزراعة وتربية المواشي بشكل مباشر. وفي عين القاضي، تحدث أبو قاسم عن أعمال تخريب طالت الأشجار الحراجية والمثمرة، وتسجيل حالات اختفاء غامضة، في ظل عجز البنية التحتية عن تلبية الاحتياجات.
شدد سامر العبود من بلدة الرفيد على تمسك السكان بأرضهم رغم تصاعد التهديدات، معتبرًا أن هذه الممارسات لن تثنيهم عن التمسك بحقوقهم الوطنية. وأشار أحد أهالي بلدة كودنه إلى أن القوات الإسرائيلية تقيم حواجز تفتيش مؤقتة داخل القرى، وتقوم بفحص الهواتف ومتابعة تحركات السكان، ما يفاقم حالة التوتر.
أوضح أحمد الحسن، مسؤول العلاقات الإعلامية في محافظة القنيطرة، لموقع سوريا 24 أن تردي الوضع الصحي في القرى الحدودية ناجم عن غياب المراكز الطبية والمستوصفات، إضافة إلى انقطاع الطرق بفعل التوغلات، ما يعيق وصول سيارات الإسعاف إلى الحالات الطارئة. وفيما يخص قطاع التعليم، أشار الحسن إلى أن العملية التعليمية تواجه صعوبات حقيقية، لاسيما خلال الامتحانات، حيث يتردد الأهالي في إرسال أبنائهم إلى المدارس نتيجة الخوف من تصاعد الأحداث الأمنية.
يطالب الأهالي بتنظيم خطوط نقل منتظمة تربط القرى بالمدن الرئيسية لتسهيل حركة الموظفين والطلاب، مؤكدين الحاجة إلى دعم فرق الدفاع المدني بالمعدات والكوادر، وإنشاء مراكز طبية تعمل على مدار الساعة، خصوصًا في القطاعين الأوسط والجنوبي، لتخفيف الضغط على المشافي القائمة وتقديم استجابة أفضل في حالات الطوارئ.
تعتمد القنيطرة على الزراعة وتربية المواشي كمصدرين رئيسيين للعيش، لكن هذه الأنشطة تضررت بشكل كبير بسبب الجفاف، وقلة الأمطار، والتضييقات المفروضة من الاحتلال، والتي تمنع السكان من الوصول إلى أراضيهم. وتسببت عمليات التجريف والاعتداء على المزروعات بتراجع الإنتاج الزراعي، في ظل غياب مشاريع دعم زراعي أو برامج لإعادة الإعمار، ما أدى إلى تدهور القدرة الشرائية لدى السكان.
رغم الواقع الصعب، يتمسك أهالي القنيطرة بأرضهم وحقهم في العيش الكريم، مطالبين بانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي المحتلة كشرط أساسي لاستعادة الاستقرار وعودة الخدمات الأساسية. ويؤكد السكان أن هذا الانسحاب هو السبيل الوحيد لفتح المجال أمام المنظمات الإنسانية والدعم الحكومي للوصول إلى المناطق المتضررة.
في ظل واقع أمني مضطرب، وخدمات متدهورة، ومعيشة تنهك السكان، تقف القنيطرة صامدة، لكنها بحاجة ماسّة إلى تحرك عاجل يعيد لها حقها بالحياة الآمنة والكريمة. وبين وعود تنتظر التنفيذ، وتوغلات لا تتوقف، يبقى صوت الأهالي واضحًا: لا حياة بلا سيادة.. ولا استقرار مع الاحتلال.