الأحد, 2 نوفمبر 2025 10:30 PM

الولايات المتحدة تدعو البنك الدولي للتركيز على مكافحة الفقر بدلًا من قضايا المناخ

الولايات المتحدة تدعو البنك الدولي للتركيز على مكافحة الفقر بدلًا من قضايا المناخ

دعت الولايات المتحدة البنك الدولي إلى إعادة النظر في تركيزه الحالي على قضايا المناخ والعودة إلى مهمته الأساسية المتمثلة في مكافحة الفقر. وحث وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، البنك على إلغاء نسبة 45% من التمويل المخصص للمشاريع المناخية، وتوجيه هذه الأموال نحو "زيادة فرص الحصول على الطاقة بأسعار معقولة وموثوقة، والحد من الفقر، وتعزيز النمو".

تاريخيًا، تأسس البنك الدولي بعد الحرب العالمية الثانية بهدف إعادة إعمار أوروبا، ولكنه تحول لاحقًا إلى مؤسسة معنية بالحد من الفقر في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، وبعد اتفاقية باريس للمناخ في عام 2015، غيّر البنك مساره، على غرار الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، وخصص مليارات الدولارات لدعم المشاريع المناخية، وتعهد بأن يكون رائدًا في التمويل الأخضر. وفي العام الماضي وحده، استثمر البنك حوالي 42.6 مليار دولار في المشاريع المناخية، وهي أموال يرى منتقدوه أنه كان من الأجدر توجيهها لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحًا في العالم.

تظهر الأبحاث باستمرار أن الاستثمارات الأساسية في التنمية، مثل تحسين صحة الأمهات وتطوير التعلم الإلكتروني وزيادة الإنتاج الزراعي، تحقق نتائج أسرع وأكبر بكثير من الإنفاق على قضايا المناخ. إن دعم الدول الفقيرة لخفض انبعاثاتها لا يقدم سوى فوائد محدودة جدًا على صعيد التنمية، أو حتى في مؤشرات المناخ. وصحيح أن تدابير التكيف، مثل إنشاء الدفاعات ضد الفيضانات، تعتبر أكثر فعالية نسبيًا، لكنها تبقى أقل تأثيرًا مقارنة باستراتيجيات التنمية التي أثبتت نجاحها.

يدافع رئيس البنك الدولي، أجاي بانغا، بقوة عن التوجه المناخي، مؤكدًا أن الفقر والمناخ مسألتان تعالجان معًا. ومع ذلك، يرى منتقدون أن هذا الطرح لا يصمد أمام المنطق. فمحاربة الفقر من خلال التغذية والرعاية الصحية والتعليم يمكن أن تحدث فرقًا سريعًا في حياة مئات الملايين من الناس، وبتكلفة منخفضة نسبيًا. أما ربط التنمية بالإجراءات المناخية فلن يحقق نتائج ملموسة بحلول عام 2030، وربما يبقى أثره هامشيًا حتى نهاية القرن.

وفقًا للخبراء، يمكن أن تنطوي السياسات المناخية على تكاليف باهظة تصل إلى تريليونات الدولارات، وغالبًا ما تأتي على حساب الفقراء، إذ تؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة والأسمدة، وهذا يزيد الأعباء على الدول النامية بدلًا من أن يخففها.

يشير وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، إلى أن الدول النامية بحاجة اليوم إلى طاقة رخيصة وموثوقة لتتمكن من التصنيع، وخلق فرص العمل، وتحقيق الازدهار، تمامًا كما فعلت الدول الغنية قبل قرن، وكما فعلت الصين خلال العقود الأخيرة. فمعظم دول أفريقيا تعاني فقرًا حادًا وتفتقر إلى مصادر طاقة متنوعة، إذ لا تعتمد سوى على الخشب والطاقة المائية. ويُظهر الواقع أن المواطن الأفريقي الفقير يستهلك من الوقود الأحفوري سنويًا ما يستهلكه المواطن الأميركي في أقل من تسعة أيام.

في هذا الإطار، يسعى البنك الدولي إلى تزويد 300 مليون أفريقي إضافي بالكهرباء بحلول عام 2030 ضمن مبادرته "مهمة 300"، وهذا هدف نبيل، لكنه مهدد بالفشل بسبب التركيز المفرط على الطاقة المتجددة. فشريك البنك في هذه المبادرة، أي مؤسسة روكفلر، يروج لفكرة أن الطاقة المتجددة هي "الطريق الأسرع والأفعل من حيث الكلفة نحو الازدهار"، وهذا وهم بعيد عن الواقع بحسب الخبراء.

ربما تكون الطاقة الشمسية والرياح أرخص من الوقود الأحفوري في الأوقات التي تشرق فيها الشمس وتهب الرياح، لكنها تصبح باهظة التكلفة في غيابهما، إذ تتطلب احتياطات ضخمة لضمان استمرارية الإمداد، ما يرفع الأسعار ويجعل المجتمعات التي تعتمد عليها تواجه فواتير كهرباء مرتفعة. ولهذا السبب، وعلى الرغم من الخطاب "الأخضر" الطاغي، لا تزال الدول الغنية تعتمد على الوقود الأحفوري لتأمين أكثر من ثلاثة أرباع احتياجاتها من الطاقة.

تُظهر استطلاعات رأي أجراها البنك الدولي أن سكان الدول الفقيرة لا يعتبرون قضية المناخ أولوية في حياتهم اليومية. فبينما يتحدث بعض القادة الأفارقة بلباقة عن القضايا البيئية في اجتماعاتهم مع مؤسسة روكفلر أو البنك الدولي، فإن الواقع يُظهر خلاف ذلك تمامًا. ففي العام الماضي، أضافت القارة الأفريقية خمسة كيلوواط/ساعة فقط من الكهرباء للفرد الواحد من مصادر الطاقة الشمسية والرياح، في حين أضافت ما يقارب خمسة أضعاف هذا الرقم من الوقود الأحفوري، كونه أرخص ثمناً وأكثر موثوقية. وعلى صعيد مجمل أنواع الطاقة، ارتفع استهلاك أفريقيا من الطاقة الشمسية والرياح بنسبة طفيفة، مقابل زيادة استهلاك الوقود الأحفوري بمعدل 22 ضعفاً.

صحيح أن تغير المناخ يتطلب تحركًا عالميًا، لكن ليس على حساب الفقراء. فبدلًا من فرض سياسات مكلفة على الدول النامية، يفترض أن تستثمر الحكومات الغنية في البحث والتطوير لإنتاج تقنيات خضراء متقدمة وبتكلفة معقولة، يمكن أن يعتمدها الجميع، أي الأغنياء والفقراء على حد سواء. بهذه الطريقة وحدها، يمكن للعالم مواجهة أزمة المناخ من دون التضحية بالفئات الأضعف.

ختامًا، على المزيد من الدول أن تنضم إلى الجهود الهادفة إلى إعادة تركيز البنك الدولي على مهمته الأساسية: مكافحة الفقر. فتحويل أموال التنمية إلى مبادرات مناخية لا يمثل انحرافًا في الأولويات، إنما استهانة بمعاناة الملايين ممن يكافحون من أجل البقاء.

بيورن لومبورغ هو رئيس مؤسسة "تفاهم كوبنهاغن" وزميل زائر في معهد هوفر بجامعة ستانفورد، ومؤلف كتابي "إنذار كاذب" و"الأفضل أولاً".

أخبار سوريا الوطن ١-وكالات-النهار

مشاركة المقال: