الأربعاء, 12 نوفمبر 2025 06:41 PM

تضليل منهجي: كيف تحولت BBC من منبر إعلامي إلى أداة دعائية؟

تضليل منهجي: كيف تحولت BBC من منبر إعلامي إلى أداة دعائية؟

فقدت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) مصداقيتها المهنية بعد سلسلة من الفضائح التي كشفت عن تحيز في تغطيتها للأحداث في سوريا وفلسطين والعالم. فبدلاً من أن تكون "مدرسة الصحافة المحترفة" كما كان يُنظر إليها، أصبحت منصة مسيسة تمارس التزييف وتخدم أجندات تتعارض مع مبادئ الصحافة الحرة.

في الملف السوري، تبنت (BBC) تقارير منحازة ومضللة لصالح "النظام البائد" منذ بداية الثورة، مركزة على تأجيج الانقسام الطائفي بدلاً من نقل الصورة الكاملة. وبعد التحرير، استمرت القناة في تضليل الحقائق، ومثال صارخ على ذلك تقريرها الأخير بعنوان «قُتلوا لأنهم علويون»، الذي كشف عن تحيزها. ففي التقرير، نفت أم مكلومة اتهام السلطات السورية بقتل ابنتها، لكن معدة التقرير أصرت على سؤالها: "هل قتلت لأنكم علويون؟"، لتجعل القناة من ذلك عنواناً رئيسياً، في تلاعب متعمد لتوجيه المشاهد نحو سردية طائفية خطيرة.

تتبنى قناة "BBC" سردية تهمش مواقف الدولة السورية تجاه أزمة السويداء، وتظهرها كصراع داخلي منفصل عن سياقه الوطني، متجاهلة مواقف دمشق التي تعتبر ما يحدث نتيجة تدخل خارجي لزعزعة الاستقرار واستهداف السيادة. وفي تغطيتها لملف "قسد"، غالباً ما تقدمها كقوة مستقلة أو بديلة عن الدولة، بعيداً عن موقف الحكومة السورية الرافض لأي كيان مسلح خارج إطار الجيش.

تجاهلت القناة معاناة السوريين الحقيقية خلال سنوات الثورة، ولم تولِ أهمية إعلامية لعشرات المقابر الجماعية والمعتقلات والمجازر التي وثقها السوريون، مفضلة التركيز على زوايا سياسية تخدم سرديتها. والمفارقة أن (BBC) كانت القناة الغربية الوحيدة التي سمح لها "النظام البائد" بوجود مراسل دائم في دمشق خلال سنوات الحرب، ما يثير تساؤلات حول طبيعة العلاقة والصفقات الإعلامية التي كانت تدار خلف الكواليس.

يتكرر الانحياز ذاته في تغطية القناة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث تتعامل بميزان مزدوج، وتبرر قصف المستشفيات والمدارس عبر روايات ملفقة. وكما صرح المحامي الفلسطيني محمد عثمان، فإن المحطة ساعدت الاحتلال في تبرير جريمة قصف مستشفى المعمداني بنشر أخبار كاذبة حول وجود أنفاق أسفله، مشيراً إلى أن هذه المعلومات المغلوطة كانت سبباً مباشراً في سقوط عشرات الضحايا الأبرياء. وقد أعلن عثمان عن إعداد ملف قانوني لمقاضاة الشبكة أمام المحكمة الجنائية الدولية بوصفها شريكاً في التحريض على جريمة حرب.

لم تسلم حتى الساحة الغربية من أكاذيب القناة، فبعد تحقيق نشرته صحيفة التليغراف البريطانية، تبين أن برنامج "بانوراما" قام بتحريف فقرات من خطاب للرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال فترته الرئاسية الأولى، ما دفع البيت الأبيض إلى اتهام القناة بنشر أكاذيب متعمدة وتقديم شكوى رسمية مطالباً إياها بدفع مليار دولار كتعويض لتحريفها خطاب الرئيس ترامب. وجاءت الاستقالات اللاحقة لمديرها العام تيم ديفي ورئيسة قسم الأخبار ديبورا تورنيس لتؤكد حجم الفضيحة داخل المؤسسة العريقة.

إن مسلسل التضليل الذي تنتهجه (BBC) يثبت أنها لم تعد مدرسة الصحافة الحرة والمحترفة، بل أصبحت كما وصفها أحد النقاد البريطانيين جهازاً دعائياً. فحين تتبنى القناة خطاباً طائفياً في سوريا، ومنحازاً للاحتلال الإسرائيلي في غزة، ومشوهاً للحقائق في واشنطن، فإننا أمام نموذج صارخ لفقدان الحياد وتحويل الإعلام إلى أداة ضغط سياسي.

محمد رعد- الوطن

مشاركة المقال: