الإثنين, 10 نوفمبر 2025 09:44 PM

رفع العقوبات عن دمشق: فرصة تاريخية أم اختبار جديد؟

رفع العقوبات عن دمشق: فرصة تاريخية أم اختبار جديد؟

إن رفع العقوبات عن الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب ليس مجرد حدث سياسي عابر، بل يمثل تحولاً استراتيجياً يعيد تشكيل ملامح سوريا بعد سنوات من الحرب والانهيار. يعكس هذا القرار، الذي حظي بإجماع دولي شبه كامل، تغيراً عميقاً في نظرة المجتمع الدولي تجاه دمشق، مشيراً إلى الانتقال من العزلة والضغط إلى مرحلة الاختبار والمراقبة، واختبار قدرة الدولة على بناء نموذج يوازن بين السيادة والانفتاح، والأمن والحرية.

يحمل رفع العقوبات بعدين متداخلين: بعد رمزي يتعلق باستعادة الدولة السورية لشرعيتها الدبلوماسية بعد عزلة طويلة، وبعد عملي يفتح الباب أمام إعادة الدمج الاقتصادي وإعادة الإعمار وجذب الاستثمارات. ولكنه يحمل أيضاً شرطاً ضمنياً بعدم العودة إلى الماضي وأساليب القمع والتهميش.

لقد منح المجتمع الدولي دمشق فرصة جديدة، لكنه وضعها تحت مجهر المساءلة، فالعقوبات يمكن أن تعود في أي لحظة إذا لم تتحول الوعود إلى أفعال. داخلياً، يواجه الرئيس الشرع تحدياً في بناء شرعية أداء لا شرعية خطاب، فالسوريون يتطلعون إلى تحسين ظروفهم المعيشية وتوفير الخدمات الأساسية.

لن يغير رفع العقوبات الواقع ما لم يرافقه إصلاح إداري عميق يقضي على الفساد ويعيد للدولة هيبتها كمؤسسة خدمة. يدرك الرئيس الشرع أن استقرار الحكم يعتمد على كفاءة الإدارة وشفافية القرار وعدالة التوزيع على المستوى الاجتماعي.

يفرض الواقع الجديد ضرورة المصالحة الوطنية الحقيقية بين السوريين، فالحرب لم تمزق الأرض فقط بل النسيج الإنساني أيضاً. تتطلب المصالحة العدالة الانتقالية والاعتراف بالمعاناة المتبادلة وفتح المجال أمام عودة المهجرين في بيئة آمنة.

يفتح رفع العقوبات عن الاقتصاد نافذة ضوء، لكنه يحتاج إلى بيئة قانونية واضحة ومؤسسات نزيهة وضمانات حقيقية للاستثمار، لأن إعادة الإعمار يجب ألا تكون غنيمة سياسية بل منصهراً لبناء وطني يوحد الطاقات ويعيد الثقة.

يتغير موقع سوريا إقليمياً ببطء من دولة منبوذة إلى طرف في معادلة الاستقرار في الشرق الأوسط. رحبت الرياض بعودة سوريا للحضن العربي، وتتعامل مع دمشق بسياسة جديدة تسعى للاستقرار مقابل الانفتاح. وتسعى أبو ظبي أيضاً للاستقرار والانفتاح على دمشق. الأردن ولبنان ينتظران عودة التجارة وتخفيف عبء اللاجئين، وتركيا تراقب من زاوية الأمن الحدودي والملف الكردي. أما إيران وروسيا فتخشيان أن تكون إعادة الدمج الدولي على حساب نفوذهما المباشر.

تتبنى واشنطن وبروكسل سياسة الانخراط المراقب بدل العزل، فهما ترغبان في منع انهيار سوريا أكثر من اندماجها السريع، لكن الدعم الغربي يبقى مشروطاً بالإصلاح والشفافية واحترام حقوق الإنسان.

إن انعكاس القرار على الواقع السوري يتجاوز السياسة إلى إعادة تعريف معنى الدولة. تحتاج سوريا إلى إعادة بناء الثقة قبل إعادة بناء الحجر. القيادة الجديدة إن أحسنت استثمار الفرصة قد تدخل عصر استقرار وتوازن إقليمي، أما إن اكتفت بالخطاب فقط فستعود إلى العزلة، لأن رفع العقوبات ليس نهاية للحرب بل بداية لمرحلة الاختبار والبناء.

بقلم: اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان

مشاركة المقال: