الأحد, 2 نوفمبر 2025 05:54 PM

سوريا: تحولات اقتصادية جذرية نحو رفع الدعم وإعادة الهيكلة تثير جدلاً واسعاً

سوريا: تحولات اقتصادية جذرية نحو رفع الدعم وإعادة الهيكلة تثير جدلاً واسعاً

تشهد السياسات الاقتصادية في سوريا تحولاً ملحوظاً، حيث تتجه الدولة نحو رفع الدعم التدريجي بعد أن كانت تعتمد نظام الدعم الشامل. وقد بدأت هذه السياسة في اليوم التالي لسقوط نظام الأسد.

بدأت الحكومة بتطبيق سياسة تحرير الأسعار تدريجياً، بدءاً بالسلع الأساسية مثل الخبز، الذي شهد ارتفاعاً كبيراً في سعره وصل إلى حوالي عشرة أضعاف، حيث ارتفع سعر الرغيف الواحد من 400 ليرة سورية إلى 4000 ليرة حالياً، مع وعود برفعه إلى سعر التكلفة على الأقل. وأشارت تقارير حكومية إلى انخفاض في الاستهلاك بنسبة تجاوزت 40% نتيجة لهذا الرفع.

كما شملت سياسة تحرير الأسعار المحروقات النفطية، التي أصبحت مسعرة ومرتبطة بشكل كامل بسعر صرف الدولار في السوق، وذلك بالنسبة لمعظم المواد مثل المازوت والبنزين والغاز. وقد تم تحديد سعر أسطوانة الغاز سعة 10 كغ بمبلغ 11.6 دولاراً أو ما يعادله بالليرة السورية وفق سعر الصرف في السوق الموازية.

وفي يوم الخميس الموافق 30 تشرين الأول، أعلنت الحكومة السورية، ممثلة بوزير الطاقة محمد البشير، عن رفع سعر تعرفة الكهرباء ليصل سعر الكيلوواط إلى 600 ليرة سورية لأول 300 كيلوواط ساعي، وبررت ذلك بشح الموارد وارتفاع معدلات الاستهلاك والهدر الكبير في الطاقة. وأكد المتحدث الرسمي ومسؤول العلاقات العامة في الوزارة أحمد السليمان أن رفع السعر ضروري لاستمرار الخدمة وجلب شركات تستثمر في القطاع الكهربائي، وتجنب خسائر سنوية متوقعة تتجاوز المليار دولار، بالإضافة إلى ترشيد الاستهلاك وزيادة ساعات التغذية.

في المقابل، قامت الحكومة بزيادة الرواتب بنسبة وصلت إلى 200%، وشملت المتقاعدين والعاملين، في محاولة لتعويض تأثير رفع الدعم على المواطنين.

ويرى مراقبون أن النتائج المترتبة على سياسة الرفع غير المدروسة، أدت إلى سحق الطبقة الاجتماعية الفقيرة نتيجة لسياسة رفع الدعم السريع والارتجالي.

ويقترح البعض بدلاً من رفع الدعم، منع استيراد السلع الكمالية، مع الإشارة إلى أن عدد السيارات التي دخلت سوريا تجاوز وفق التصريحات الرسمية 600 ألف سيارة بقيمة تتجاوز 4 مليار دولار. بالإضافة إلى العمل على تثبيت سعر الصرف لليرة السورية، واتباع سياسة تخفيف الاستيراد ودعم الإنتاج، وتشكيل شبكة أمان اجتماعي لدعم الطبقات الأقل دخلاً في المجتمع.

ويرى البعض أن الحكومة الحالية تعالج المشاكل بشكل منفصل وبمعزل عن الواقع ودراسة المجتمع والآثار المجتمعية، مما قد يشكل خطأً جسيماً في ظل وضع اقتصادي هش. كما أن حديث حاكم المصرف المركزي عن أن سعر الصرف سيكون سعر السوق بدون تدخل رسمي وفقاً للاستيراد والتصدير، قد يناسب دولاً أخرى ولكنه لا يناسب سوريا التي تحتاج لكل دولار. ويرى البعض أن ارتفاع سعر الصرف يؤثر على كل شيء في سوريا بتأثير مضاعف، وكان الأجدر به العمل على كبح الاستثمار إلا في وسائل الإنتاج وإعادة الإعمار وتشجيع التصدير.

وقد حصلت زيادات للرواتب في بعض القطاعات كالقضاء والأمن العام والجيش، إلا أن هذه الزيادة لم تكن عادلة في توزيعها، إذ أدت إلى فجوة شاسعة بين رواتب القطاعات المختلفة. فبينما يبلغ راتب موظف فئة ثانية في المحاكم والقضاء حوالي 250 دولاراً، ونظيره في قطاع حكومي آخر يبلغ راتبه حوالي 90 دولاراً رغم نفس الكفاءة والمؤهل الدراسي.

وعلى مستوى الجيش، يبلغ الحد الأدنى للراتب 250 دولاراً ويصل إلى 1000 دولار لقائد اللواء و700 لنائبه. ويرى البعض أن هناك سياسة إنفاقية غير مبررة في ظل الوضع الحالي، وأن هذا الجندي وهذا الضابط من أبناء الوطن ويرتفع راتبه عن الموظف لطبيعة عمله ولظروف خدمته، ولكن أن يكون له راتب يبلغ 10 أضعاف راتب الأكاديمي الجامعي فهنا نحتاج للوقوف وتقييم هذا الخيار والسياسة.

ويرى البعض أن الحكومة الحالية تتبع سياسة التخلي عن الموظفين ودفعهم للاستقالة، حيث رافقت هذه الإجراءات عمليات فصل للموظفين المتعاقدين ومنح إجازات مأجورة في القطاع العام، في مقابل إنفاق غير مبرر على الأثاث والسيارات والرواتب لموظفي ومتعاقدي حكومة الإنقاذ، والتي تجاوزت في بعض الحالات الحدود المعقولة. ويرى البعض أن هذه القرارات تحمل مخاطر كبيرة على الاستقرار الاجتماعي.

ويرى البعض أنه من المفترض أن تنعكس سياسة رفع الدعم إيجاباً على جميع شرائح المجتمع، وليس على فئة محدودة كالجيش والأمن العام والقضاء فقط. حيث ينبغي مراعاة أوضاع العاطلين عن العمل والأشخاص غير القادرين على العمل وكبار السن والأرامل.

كما أنه من غير المقبول أن يذهب معظم الدعم لتمويل الرواتب والأجهزة الأمنية، مما يؤدي إلى تقليل الاستهلاك في قطاع وزيادته في قطاع آخر.

السؤال المهم: هل تمت زيادة الرواتب في القطاع الخاص استجابة للتغيرات الجديدة في السياسات الحكومية؟ الجواب الأكيد هو لا.

فالتكاليف الثابتة والمتغيرة زادت على القطاع الخاص عبر زيادة سعر المحروقات وتكاليف التشغيل ونقل العمال ونقل البضائع والمواد الأولية وزادت أيضاً تكاليف التأمينات حيث كان يسجل العمال بالحد الأدنى للرواتب والذي ارتفع إلى 8750 ليرة سورية، بالإضافة إلى ضعف القوة الشرائية في المجتمع حيث أصبحت الأساسيات تستهلك معظم الراتب.

ويرى البعض أن إنعاش القطاع الخاص يعد ضرورة ملحة لخلق فرص عمل جديدة، وأنه ينبغي أن تخضع القرارات الاقتصادية لدراسة شاملة من جميع الجوانب، وأن تستند إلى رؤية استراتيجية شاملة تخدم مصلحة البلاد. ويرى البعض أن هذه المرحلة تتطلب التركيز على القطاعات الأساسية وتأجيل الإنفاق على الكماليات.

ويرى البعض أنه في النهاية السياسات الحكومية يجب أن تراعي المجتمع وأن تكون ممثلة لرغبة المجتمع ومصالحه وليست خاضعة لرغبة ورؤية الرئيس فقط.

ويرى البعض أن الشعب يرغب بالأمان والاستقرار، ولا يريد أن يعاني ويستمر بسياسات مراهقة غير مدروسة في ظل ظروف الاقتصاد الهش. ويرى البعض أن هناك حاجة لسياسات نقدية لحماية المجتمع من تقلبات سعر الصرف، وقانون عمل يحمي الموظفين من اجتهادات المدراء والوزراء، وقانون يمنع الإنفاق غير المسؤول على السيارات والأثاث والبيوت، وحماية مجتمعية بالقوانين للفقراء والأرامل واليتامى، وقوانين تحمي المواطنين عندما ينتقدون السياسات الحكومية، ومجلس اقتصادي يتخذ ويقر السياسات الاقتصادية للبلاد، وأن تكون هموم الدولة المجتمع وليس أن تتصرف وكأنها شركة خاصة.

ويرى البعض أنه يجب التوقف عن الثرثرة لأن الأفعال تعاكس الأقوال، والتوقف عن التملق أمام الشاشات ليلاً نهاراً.

زمان الوصل

مشاركة المقال: