الثلاثاء, 2 ديسمبر 2025 09:25 PM

سوريا تسعى لكسر العزلة المصرفية: خطوات نحو الاندماج المالي العالمي وإعادة الثقة

سوريا تسعى لكسر العزلة المصرفية: خطوات نحو الاندماج المالي العالمي وإعادة الثقة

تشهد الساحة المصرفية السورية منعطفاً هاماً، يلوح في الأفق معه إنهاء سنوات من العزلة المصرفية، وذلك مع تجدد الآمال بعودة الاتصال بشبكة سويفت وزيارة مرتقبة لبعثة صندوق النقد الدولي. التصريحات الإيجابية التي أدلى بها حاكم المصرف المركزي الدكتور عبد القادر حصرية، تعزز هذه الآمال، خاصة فيما يتعلق بوضع إطار تنظيمي جديد للقطاع المصرفي.

إلا أن الطريق نحو الاندماج المالي العالمي لا يخلو من التحديات. بل يواجه عقبات هيكلية عميقة تتطلب معالجة جذرية، تبدأ باستعادة الثقة المفقودة، مروراً بتحديث البنية التحتية، وصولاً إلى مكافحة الفساد. فالإطار التنظيمي الجديد، وإن كان ضرورة ملحة، لن يكتب له النجاح ما لم يتمكن من بناء جسور الثقة مع البنوك العالمية، والأهم من ذلك، مع المودعين والمتعاملين السوريين.

فجوة الثقة والبنية التحتية المتقادمة

يرى الباحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية المهندس باسل كويفي، في حديث لـ "الحرية"، أن التحديات المباشرة لإعادة تفعيل المراسلة المصرفية تكمن في مواجهة "فجوة الثقة" مع البنوك العالمية. فالبنوك الأجنبية لا تزال تنظر بعين الحذر إلى التعامل مع القطاع المصرفي السوري، وتتطلب ضمانات قوية قبل إعادة بناء العلاقات. وهذا يستدعي أن يتجاوز الإطار التنظيمي الجديد الحدود المحلية لإثبات الشفافية والالتزام الفعلي على أرض الواقع، ونقل صورة إيجابية وعملية للجهود الإصلاحية في القطاع المصرفي، وخاصة المصارف العامة.

كما يشير كويفي إلى أن البنية التحتية التقنية المتقادمة تمثل عقبة رئيسية. فالعديد من المصارف السورية تحتاج إلى تحديث جذري لأنظمتها وتجهيزاتها لتتوافق مع معايير الأمان والتشغيل العالمية، مثل معايير سويفت، التي تطورت بشكل كبير خلال فترة العزلة والعقوبات. إصلاح البنية التحتية ليس خياراً بل ضرورة، ويجب أن يتضمن الإطار التنظيمي خططاً وموازنات محددة تأخذ بعين الاعتبار الظروف الاستثنائية التي مرت بها سوريا، بما في ذلك طي ملفات المتعاملين المتعثرين الذين تضررت ممتلكاتهم كلياً أو جزئياً، وتحديث الأنظمة الرقمية والأمن السيبراني.

عقبات هيكلية أعمق

إلى جانب التحديات المباشرة، يؤكد الباحث كويفي أن القطاع المصرفي يواجه تحديات هيكلية أعمق تشكل أرضية الواقع التي يجب أن يبنى عليها الإطار التنظيمي الجديد. ومن أبرز هذه التحديات:

  • بناء الثقة الداخلية: حيث ضعفت ثقة المودعين والمتعاملين بشكل كبير بسبب الضربات القوية التي تعرض لها القطاع المصرفي، ما أدى إلى انحياز شريحة واسعة من المواطنين نحو التعامل النقدي.
  • منافسة شركات الصرافة: حيث شكلت شركات الصرافة والتحويلات الممر الرئيسي لتجاوز العقوبات خلال فترة سابقة، ما أوجد منافسة قوية للبنوك ويستدعي حوكمة هذه الشركات لضمان الامتثال.
  • استقلالية البنوك: بسبب التدخل الحكومي، ما يؤثر في قدرتها على اتخاذ قرارات تجارية ومخاطرة مستقلة وفق المعايير الدولية. وهذا يتطلب قوننة وحوكمة مستدامة لعمل البنوك والشركات التابعة لها.

الاستقرار والإرادة والإصلاح الشامل

يرى المهندس كويفي أن خطوة إعداد إطار تنظيمي جديد تعتبر ضرورية وتكتيكية صحيحة في الوقت الحالي، وخاصة مع وجود دعم فني دولي محتمل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. لكن نجاح هذا الإطار في جذب البنوك العالمية والنهوض الاقتصادي سيعتمد على أمور جوهرية أبرزها:

  1. الاستقرار والأمن المستدام.
  2. إعادة تحديث القوانين وترسيخ سيادة القانون.
  3. معالجة آثار الحرب والظروف الاستثنائية في سوريا من حيث الأضرار والإعفاءات اللازمة.
  4. مكافحة الفساد بشكل تام.
  5. الإرادة والإدارة التي تثبت مدى سرعة وجدية معالجة التحديات الهيكلية العميقة داخل القطاع المصرفي، وقدرتها على نقل التقدم الإصلاحي بصورة مقنعة وشفافة للشركاء الدوليين، وبناء جسور الثقة التي دمرتها الحرب والعقوبات.

ويؤكد كويفي أن الإطار التنظيمي يشكل الوعاء الضروري، لكن محتواه من الإصلاحات الجوهرية والثقة التي سيولدها هما العامل الحاسم في إعادة دمج سوريا مالياً مع العالم.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: