تشهد سوريا ارتفاعًا في حالات الأمراض التنفسية خلال الأسابيع الأخيرة، وتتراوح الأعراض بين ارتفاع في درجة الحرارة، وغثيان مستمر، ورشح أنفي غزير مصحوب بعطاس وسعال قوي، بالإضافة إلى آلام حادة في الرأس والصدر. في بعض الحالات، تترافق هذه الأعراض مع آلام عضلية وخمول شديد، وأحيانًا آلام في البطن مصحوبة بإسهال حاد.
يتعامل العديد من الأشخاص مع هذه الإصابات على أنها "إنفلونزا" موسمية مع بداية فصل الشتاء. ومع ذلك، يحذر الأطباء من أن طبيعة الأعراض ومدى استمرارها يشير إلى موجة مرضية أكثر تعقيدًا، تذكر بأعراض فيروس "كورونا".
وكان المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها (ECDC) قد حذر في 20 تشرين الثاني الماضي، في تقريره لتقييم مخاطر موسم 2025-2026، من احتمال زيادة انتشار سلالة إنفلونزا A(H3N2)، تحت السلالة K، مع تأكيد أن الخطر ما يزال معتدلًا حاليًا ولكنه قد يرتفع في حال تطور السلالة أو انخفاض المناعة المجتمعية، ويوصي بتعزيز المراقبة الوبائية والتطعيم الموسمي المبكر.
زيادة في الحالات التنفسية وتحذير من نوع جديد
أكد مدير دائرة الأمراض السارية في وزارة الصحة السورية، الدكتور ياسر الفروح، لعنب بلدي، أن البيانات الرسمية الصادرة عن الوزارة تشير إلى تسجيل تزايد ملحوظ في أعداد حالات الأمراض التنفسية الحادة خلال الفترة الأخيرة.
وأوضح الفروح أن نتائج التحاليل المخبرية أظهرت عزل فيروس الإنفلونزا A من النمط A(H3N2)، مشيرًا إلى أنه يتم عالميًا تسجيل نمط جديد من الإنفلونزا هو النمط الفرعي K من النمط (H3N2)، والذي يتسبب بظهور أعراض تنفسية شديدة تشمل: الحرارة، والسعال، والصداع، والإقياء، وآلام البطن.
ونوه بأن هذا النمط الفرعي الجديد لم يُسجَّل حتى الآن في سوريا، إلا أنه، ووفقًا للحركة الوبائية للفيروس، من المتوقع وصوله إلى البلاد خلال الأيام المقبلة. ودعا الفروح إلى الالتزام بالإجراءات الوقائية للحد من انتشار العدوى، وعلى رأسها اتباع آداب السعال، والابتعاد عن الأماكن المزدحمة، والتواجد في أماكن جيدة التهوية للعمل، وارتداء الكمامة، إضافة إلى تلقي اللقاح.
ما الفرق بين فيروس H3N2 وكورونا؟
فيروس الإنفلونزا A H3N2
- ينتمي إلى عائلة فيروسات الإنفلونزا، وليس إلى عائلة كورونا.
- يسبب أعراضًا تنفسية شبيهة بالإنفلونزا: حرارة، سعال، صداع، تعب، وآلام عضلية.
- معروف وموسمي، لكنه قد يؤدي لمضاعفات عند الفئات الضعيفة.
فيروس كورونا (SARS‑CoV-2)
- ينتمي إلى عائلة فيروسات كورونا، وهو المسؤول عن كوفيد‑19.
- أعراضه قد تتشابه مع الإنفلونزا، لكن لديه قدرة أكبر على الانتشار وقد تكون مضاعفاته أخطر.
- لا يمكن التمييز بدقة بينه وبين الإنفلونزا إلا من خلال الفحص المخبري.
منظمة الصحة العالمية
واقع الموجة الجديدة يفوق التطمينات الرسمية
قال اختصاصي أمراض الأنف والأذن والحنجرة، والأستاذ في جامعة “دمشق”، الدكتور نبوغ العوا، لعنب بلدي، إن الحديث عن عدم وجود موجة جديدة من فيروس “كورونا” يتعارض مع الواقع الميداني، معتبرًا أن ما يطرح من تطمينات رسمية لا يعكس حقيقة الوضع الصحي.
وأضاف أن وزارة الصحة دأبت منذ سنوات على تقديم أرقام وتصريحات “مخففة” لا تعبر بدقة عن حجم الانتشار الفعلي، بذريعة عدم إثارة القلق بين الناس، لافتًا إلى أن هذا النهج يؤدي إلى نتائج عكسية ويزيد من تفاقم الإصابات.
وبين العوا أن التفريق بين الإنفلونزا الموسمية و"كورونا" يمكن ملاحظته من خلال تطور الأعراض، إذ إن الإنفلونزا عادةً ما تكون شدتها عالية في اليومين أو الثلاثة الأوائل، ثم تبدأ بالتحسن التدريجي اعتبارًا من اليوم الرابع مع استخدام أدوية بسيطة. أما في حالة "كورونا"، فتكون الأعراض في البداية أقل حدة نسبيًا، لكنها تتفاقم اعتبارًا من اليوم الرابع، وتستمر بالتصاعد، وقد تحتاج إلى نحو عشرة أيام من العلاج المتواصل حتى تبدأ بالتحسن.
وأشار إلى أن بعض المرضى قد يظهر عليهم تحسن أولي بعد أربعة أو خمسة أيام بسبب قوة مناعتهم، فيتوقفون عن تناول الدواء، إلا أن الأعراض سرعان ما تعاود الظهور خلال يوم أو يومين بشكل أشد، ما يستدعي إعادة العلاج بدورة دوائية أقوى. وأكد أن هذه الخاصية تميز كورونا عن الزكام والإنفلونزا، اللذين لا تعاود أعراضهما الظهور بعد إيقاف الدواء بهذه الطريقة.
وأكد الدكتور العوا أن الفيروس لا يقتصر انتشاره على منطقة دون أخرى، كاشفًا عن تسجيل إصابات في سوريا، ودول الخليج، وأوروبا، مؤكدًا أن كورونا “حاضر في كل مكان”، ولا يمكن التعامل معه على أنه خطر مستبعد محليًا.
وفيما يخص العلاج، أوضح أن "كورونا" لا يعالج بدواء واحد فقط، لأن المرض عبارة عن مجموعة من الأعراض المتلاحقة، وليس مجرد التهاب عابر، لذلك يعتمد العلاج على بروتوكول متكامل من عدة أدوية للسيطرة على الاحتقان والحرارة والألم وبقية الأعراض، وليس فقط عبر المضادات الحيوية.