الأحد, 2 نوفمبر 2025 08:29 PM

سوريا وتركيا تتعاونان لإعادة بناء الجيش السوري: تدريبات مكثفة وطموحات دفاعية وطنية

سوريا وتركيا تتعاونان لإعادة بناء الجيش السوري: تدريبات مكثفة وطموحات دفاعية وطنية

في تحول استراتيجي يعكس ملامح "سوريا الجديدة"، بدأت تركيا باستقبال دفعات من عناصر الجيش والشرطة السوريين للتدريب على أراضيها. يأتي ذلك ضمن اتفاق تعاون عسكري واسع يهدف إلى إعادة تشكيل البنية الدفاعية للدولة السورية بشكل كامل.

تتجاوز هذه الخطوة مجرد تبادل تدريبي تقني، وتمثل حجر الزاوية في مشروع وطني طموح لبناء جيش سوري حقيقي، يخدم الشعب ويحمي الحدود ويضمن سيادة الدولة، لا نظامًا أو فردًا.

خارطة طريق عسكرية جديدة

أعلنت وزارة الدفاع التركية في بيان رسمي أن 49 طالب ضابط سوريًا التحقوا بالكليات العسكرية التركية (الجوية والبرية والبحرية). يتلقى نحو 300 عنصر من الجيش والشرطة السورية حاليًا تدريبات مكثفة في قاعدتين عسكريتين بوسط وشرق تركيا. وتخطط أنقرة لتدريب 5 آلاف عنصر سوري في المرحلة القصيرة، على أن يرتفع العدد إلى 20 ألفًا في المدى المتوسط والطويل.

يأتي هذا البرنامج في سياق اتفاق تعاون عسكري وُقّع بين وزارتي الدفاع السورية والتركية في أغسطس الماضي، ويشمل برامج تدريبية متخصصة، واستشارات عسكرية مشتركة، ودعمًا لوجستيًا وتقنيًا.

من غارات إسرائيلية إلى طلب سوري رسمي

في يوليو الماضي، وبعد غارات إسرائيلية استهدفت مواقع في دمشق والسويداء، وجهت الحكومة السورية طلبًا رسميًا إلى تركيا للحصول على دعم عسكري عاجل. كشفت تلك الغارات عن ضعف الجيش السوري السابق، الذي لم يعد قادرًا على الدفاع عن المجال الجوي أو تأمين المنشآت الحيوية. ومنذ تشكيل "وزارة الدفاع في سوريا الجديدة"، بدأت القيادة الانتقالية بالبحث عن شركاء استراتيجيين لإعادة بناء المؤسسة العسكرية. وكانت تركيا، التي استضافت أكثر من خمسة ملايين لاجئ سوري، ووقفت إلى جانب المعارضة السياسية والعسكرية، الشريك الطبيعي لهذا المشروع.

الجيش السوري السابق لم يعد موجودًا

يؤكد المحلل العسكري، العميد عبد الهادي ساري، في حديث لمنصة "سوريا 24"، أن الجيش السوري شهد تفككًا وانهيارًا بعد سقوط النظام السابق. ويضيف أن تأسيس وزارة الدفاع في سوريا الجديدة شهد تفكيرًا جديًا في كيفية بناء جيش سوري جديد يحمي الشعب ويصون الحدود. ويشير إلى أن تركيا لعبت دورًا محوريًا منذ بدايات الأزمة، ليس فقط باستضافتها للاجئين، بل بدعمها الدبلوماسي والعسكري الذي منع عودة النظام السابق إلى المناطق الشمالية. ويوضح أن التعاون العسكري لم يكن وليد اللحظة، بل نتاج زيارات متبادلة بين مسؤولين عسكريين من الجانبين. وذكر أن الرئيس رجب طيب أردوغان استجاب بسرعة للطلب السوري الرسمي، ما يعكس أهمية الملف السوري في الاستراتيجية التركية. وشدّد ساري على أن الدور التركي يمتد إلى نقل خبرة عسكرية غربية متقدمة، نظرًا إلى أن تركيا عضو في حلف الناتو ولديها بنية تدريبية ولوجستية متطورة. ويرى أن التعاون لم يقتصر على تركيا وحدها، إذ جرى أيضًا توجّه متوازٍ نحو روسيا الاتحادية للاستفادة من الخبرات الروسية في توريد الأسلحة والذخائر. ويختم تحليله بالقول إن الهدف الأساسي هو بناء جيش وطني حقيقي يحمي الشعب السوري ويصون حدود الجمهورية العربية السورية، ويمنع أي اختراقات أمنية أو تهديدات خارجية.

أمن تركيا من أمن سوريا

من جانبه، يقدم المحلل السياسي مهند حافظ أوغلو رؤية استراتيجية أوسع، تربط بين الأمن السوري والأمن التركي. ويقول في حديث لمنصة "سوريا 24" إن تركيا تعلم الحاجة إلى إنشاء جيش سوري قوي، لأن سوريا هي قلب الشرق الأوسط. ويؤكد أوغلو أن بناء الدولة السورية اليوم يتم وفق المنطق والعقل والقوة والعلم الصحيح، وبما يناسب الواقع الميداني. ويشير إلى أن سوريا بقيت أكثر من ستة عقود تحت بناء فاشل، أما اليوم، فالدولة تُبنى من جديد على أسس سليمة. ويصف الخطوة التركية الحالية بأنها "أولى الخطوات العملية"، مضيفًا أن الأمر لا يقتصر على 49 طالبًا في الكليات الجوية أو البرية أو البحرية، بل سيتوسع ليشمل آلاف العناصر، لأن البناء الأمني والعسكري ضرورة ملحّة. ويربط بين التهديدات الإقليمية والتعاون السوري–التركي، موضحًا أن التشديد التركي على أهمية أمن سوريا ليس من باب التدخل، بل من باب حماية الذات، لأن هناك وحدة مصير بين الدولتين.

جيش كمؤسسة دولة لا كأداة سلطة

التدريبات الحالية في تركيا ليست مجرد دورات عسكرية روتينية، بل لَبِنة أولى في مشروع دولة جديد. فسوريا تسعى اليوم إلى تحويل الجيش إلى مؤسسة وطنية تحمي الحدود، وتصدّ العدوان الخارجي، وتدعم الاستقرار الداخلي. وفي ظل التهديدات الإسرائيلية، والتدخلات الإقليمية، والفراغ الأمني الذي خلّفه انهيار النظام السابق، يبدو أن بناء جيش وطني قوي لم يعد خيارًا، بل ضرورة وجودية. والخطوات التركية–السورية الحالية قد تكون بداية الطريق نحو دولة سورية مستقرة، ذات سيادة، وقادرة على حماية شعبها.

مشاركة المقال: