الأربعاء, 3 ديسمبر 2025 02:25 AM

معرة النعمان: عام على التحرير وعودة الحياة رغم الدمار

معرة النعمان: عام على التحرير وعودة الحياة رغم الدمار

لم تكن معرة النعمان جزءًا من عملية "ردع العدوان" بشكل مباشر، لكن المهجرين من المدينة في مخيمات الشمال وقراه وبلداته تابعوا أخبار العملية باهتمام كبير، متطلعين إلى العودة الآمنة إلى ديارهم. بدأت العملية من محور الشيخ عقيل – قبتان الجبل في ريف حلب في 27 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وشهدت تقدمًا سريعًا وسقوطًا للنظام في العديد من القرى والبلدات في ريف حلب. المفاجأة السارة لأهالي معرة النعمان كانت وصول الثوار إلى مشارف مدينتهم في صباح يوم 30 من نفس الشهر.

انهارت دفاعات النظام في المدينة وانسحبت قواته، لكن بعض المجموعات الصغيرة تحصنت داخل المدينة. تعامل مقاتلو المعارضة مع هذه المجموعات، وأعلن أبناء معرة النعمان تحرير مدينتهم وسقوط نظام الأسد فيها، بالتزامن مع تقدم الثوار نحو معاقل النظام في المدن السورية وصولًا إلى دمشق.

وفقًا لروايات محلية، انهارت خطوط قوات النظام المنتشرة على أطراف المدينة بعد بدء الهجوم، رغم تمركز آليات عسكرية ودبابات. ويقول السكان إن طلائع مقاتلي العملية تقدمت نحو المعرة دون مواجهات كبيرة بعد انسحاب القوات الحكومية من مواقعها. يؤكد أبناء المدينة أن أبا الفوز وجماعته كانوا من أوائل من دخلوا المعرة بعد التحرير، وخلال ساعات رُفع الأذان من الجامع الكبير للمرة الأولى منذ سنوات، في مشهد وثقته مقاطع مصورة تداولها ناشطون على نطاق واسع.

يسترجع الصحفي عمر البم ذكريات يوم تحرير مدينته، مؤكدًا أنه كان حدثًا بالغ الأهمية له ولعائلته ولأبناء المدينة، وشكل منعطفًا للسكان بعد سنوات من التهجير. ويستذكر البم مشهد دبابات قوات النظام على مداخل المدينة، قائلاً: "رأيت أكثر من خمسين دبابة لقوات النظام الساقط"، ويضيف: "كنت شاهدًا على اندحار قواته على وقع ضربات مقاتلي المعارضة".

البم، الذي دمر نظام الأسد وميليشياته منزله، يقول: "هل تعلم أن مدينة المعرة هي الوحيدة التي هُجر جميع سكانها منها والبالغ عددهم نحو مئتي ألف نسمة؟"، ويضيف: "مع الأسف، لقد دمر كل شيء… لكن هيهات ألا تعود الديار إلى أهلها… دمروا منازلنا، وسنعود لبنائها". ويتحدث عن عذابات مهجري المعرة في مخيمات الشمال السوري، موثقًا وفاة العشرات حزنًا وكمدًا على تهجيرهم، ويقول: "هل تعلم أنه بعد عام ونصف من التهجير، وثقنا وفاة 400 شخص من أبناء المعرة بشكل مفاجئ؟".

بعد استعراضه لآلام التهجير، يستعيد ذكريات يوم التحرير، قائلاً: "عندما أذن رب العالمين بالفتح وحررت حلب… استمرت العمليات… تحررت سراقب… شعرت أننا اقتربنا من مدينتنا… وأن المعرة على طريق العودة إلينا". ويصف مشهد عودة الأهالي بعد يوم من التحرير: "بدأ الناس بالعودة… البعض، رغم دمار منزله، فضل العودة حتى لو سكن في خيمة".

ويختتم البم شهادته بالتأكيد على أن المعريين فضلوا العودة إلى مدينتهم رغم الدمار، مشيرًا إلى أن "الحياة في المدينة تتحسن تدريجيًا، فمحال السوق الـ 400 أعادت فتح أبوابها، فيما تحاول وزارة الصحة إعادة ترميم مشفى المدينة المدمر بالكامل".

منذ بدايات الثورة عام 2011، شاركت معرة النعمان بفعالية في الحراك السلمي ضد النظام، وأصبحت مركزًا للمعارضة في ريف إدلب. في 2012، خرجت عن سيطرة النظام، وشهدت تجربة إدارة مدنية، لكنها تعرضت لقصف عنيف ومتكرر. في عام 2020، استعاد النظام السيطرة على المدينة بعد حملة عسكرية واسعة، ما أدى إلى تهجير سكانها بالكامل وتدمير كبير في بنيتها التحتية. بقيت خالية من الحياة طيلة أربع سنوات. في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، استعادت المعارضة المدينة ضمن عملية "ردع العدوان"، وبدأ السكان بالعودة رغم الدمار.

بلال مخزوم، ناشط من أبناء المدينة، يستعيد ذكريات تحرير المعرة، قائلاً: "يوم التحرير كانت لدينا لجنة الاستجابة، وقطاعات مدنية عملت على مؤازرة القطاع العسكري". ويضيف: "تلقيت الخبر بسعادة شديدة… لم أعرف كيفية الوصول إلى المعرة… وجدت المدينة… أحب بقاع الأرض على قلوبنا بعد مكة والمدينة… وكانت ملامحها شاحبة وحزينة بمساجدها ومدارسها".

ويشير إلى أن زحفًا من الأهالي كان يعود إلى المدينة من جميع مداخلها، مهللين ومكبرين. ورغم فرحته، إلا أنه يفتقد الشهداء الذين قضوا في المعارك. ويقارن بين واقع المدينة قبل عام وواقعها الحالي، قائلاً: "الواقع العام قبل عام كان سيئًا جدًا، لا يوجد أبسط مقومات الحياة… لكن المعرة اليوم عادت إليها الحياة من جديد، وعاد نحو 50% من أهلها… المدينة الآن عبارة عن خلية نحل".

تشير مشاهدات ميدانية وشهادات إلى أن جزءًا من السكان عاد منذ الأسابيع الأولى بعد التحرير، رغم الدمار الواسع. افتتحت أكثر من 400 محل تجاري في سوق المعرة وسوق الخضار، إضافة إلى ورش بناء ومشاريع إعادة الإعمار. لكن مشكلات البنية التحتية ما تزال قائمة، ومشاريع إعادة التأهيل متوقفة أو بطيئة التنفيذ.

المعرة لم تكن مجرد مدينة حررها مقاتلون، بل قلبًا خفق من جديد. عاد أهلها إلى حجارتها المهدمة قبل أن تعود إليها الخدمات، لأن ما يجمعهم بها أعمق من السقف والجدران… إنه الحنين والانتماء. في وجوه الأطفال العائدين، وعيون الأمهات الممتلئة بالدموع، كتب النصر الحقيقي: مدينة لم تمت، بل صبرت… وعادت تنبض بالحياة.

مشاركة المقال: