الإثنين, 24 نوفمبر 2025 12:40 AM

من هابيل وقابيل إلى أوكرانيا والسودان: نظرة على صراعات "الأخوة الأعداء" عبر التاريخ

من هابيل وقابيل إلى أوكرانيا والسودان: نظرة على صراعات "الأخوة الأعداء" عبر التاريخ

غالبًا ما يُستشهد بقصة "هابيل وقابيل" كمثال كلاسيكي على الأخوة الأعداء. وقد استخدم توماس مان هذا المفهوم، تحت عنوان "الأخوة المتصارعين"، بشكل متكرر في أعماله مثل "يوسف وإخوته" و"دكتور فاوستوس" و "بودنبروك"، ليرمز إلى الصراع الداخلي في النفس الأوروبية الحديثة. ففي رواية "يوسف وإخوته"، أعاد توماس مان صياغة قصة النبي يوسف وإخوته، كما وردت في التوراة والقرآن الكريم، ليجعل منها رمزًا للصراع بين الحسد والمحبة، وبين الإنسان والقدر.

في روايته "دكتور فاوستوس"، يتحول الأخوة الأعداء إلى صراع بين الفن والأخلاق، وبين العبقرية والدمار، في إشارة إلى انهيار الروح الألمانية أمام النازية. وفي عام 1950، نشر كازنتزاكي روايته "الأخوة الأعداء"، التي تدور أحداثها في قرية يونانية صغيرة خلال الحرب الأهلية اليونانية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث انقسم الشعب بين الشيوعيين والملكيين. البطلان، ميتشاليس وكريستوس، شقيقان يقاتل أحدهما في صفوف الثوار (الشيوعيين) والآخر في صف الجيش الملكي. استخدم كازنتزاكي هذا الصراع كرمز للصراع بين الروح والمادة، وبين الخير والشر، وبين الحب والكراهية. وفي النهاية، يدرك الأخوان أن الحرب لا تجلب إلا المآسي والويلات والآلام.

وبالمثل، شهدت الحرب الأهلية الإسبانية صراعًا بين الشيوعيين والملكيين، مدفوعًا بالانقسام الإيديولوجي بين الدين والحداثة، وبين اليمين واليسار، وبين الإيمان والعقل. ومن الأمثلة الحديثة على الحروب الأهلية التي تحولت فيها الأطراف إلى أخوة أعداء: روسيا وأوكرانيا. وبغض النظر عن الأسباب الموجبة لهذه الحرب، فإنها تجسد مقولة "الأخوة الأعداء". فمن يعرف تاريخ روسيا القديم والحديث، يدرك أن هذه الحرب هي حرب الأخوة الأعداء، فالروس والأوكرانيون من جذر واحد ومن عرق واحد هو العرق السلافي. حتى قبل نشوء الاتحاد السوفيتي، كان الروس والأوكرانيون في بلد واحد عندما كانت العاصمة تسمى "كييف الروسية" منذ القرن التاسع الميلادي بقيادة فلاديمير العظيم. وفي عام 1922، منح لينين، أثناء تأسيس الاتحاد السوفيتي، مقاطعة أو إقليم أوكرانيا تسمية جمهورية اشتراكية. وفي التاريخ القديم وحتى الحديث منه الرسمي والأدبي، كانوا يطلقون على أوكرانيا "روسيا الصغرى"، ومنهم الأديب الكبير ميخائيل نعيمة. وقد لعبت، وما زالت تلعب، اليد الخارجية دورًا في سكب الزيت على النار، وما زال الأخوة أبناء الشعب الواحد يدمرون بعضهم بعضًا.

الأخوة الأعداء – أيضًا في السودان، ما زال الاقتتال بين أبناء السودان يزداد حدة، وما زالت معاناة الناس مستمرة: التهجير، والعيش في البراري، وفي الخيام، هذا ما عدا الجوع والعطش والمرض. فالسودان – بكل مكوناته الاجتماعية والقبلية وحتى العسكرية – يعيش في نسيج واحد. والقتال الدائر بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع هو في جوهره صراع بين إخوة السلاح الذين كانوا يقفون يومًا في خندق واحد ضد عدو واحد. الحرب في السودان هذه الأيام تجسد المأساة – التراجيديا بعينها؛ فالجميع ينتمي إلى الأرض نفسها واللغة نفسها والدين نفسه، لكن شهوة السلطة من جهة وعدم الوعي من جهة أخرى جعلهم يتحولون إلى أعداء. فالصراع هنا، ليس بين الشعب والاستعمار، بل الصراع بين أبناء البيت الواحد. فهذه هي التراجيديا المعاصرة للأخوة الأعداء في الوطن العربي. يقول كازانتزاكي: "حين ينهار البيت، لا يعود أحد يتذكر من أشعل النار أولاً". (أخبار سوريا الوطن-1)

مشاركة المقال: