الأربعاء, 18 يونيو 2025 03:08 PM

ترامب على مفترق طرق: بين إغراءات 'صفقة' مع إيران وكوابيس 'الكارثة' في الشرق الأوسط

ترامب على مفترق طرق: بين إغراءات 'صفقة' مع إيران وكوابيس 'الكارثة' في الشرق الأوسط

علي عواد

ترامب محاصر بين صقور الإعلام المتعطشين للحرب وقاعدته الشعبية التي تخشى المواجهة مع إيران. التوتر يتصاعد، والقرارات المصيرية على الأبواب… من يملك الكلمة الأخيرة؟

وسط هدير الطائرات وتعليقات محللين يسيل لعابهم على الشاشات الأميركية شوقاً للحرب، يقف الرئيس دونالد ترامب هذه الأيام على مفترق طرق لم يسبق أن مر به رئيس أميركي من قبل.

حرب محتملة مع إيران، ضغوط من الصقور في حزبه، وانقسام حاد حتى بين حلفائه الذين أوصلوه إلى البيت الأبيض.

نعم، الحديث هنا عن قاعدة «ماغا» الشهيرة (لنُعد لأميركا عظمتها)، تلك الجماعة التي دائماً ما تغنّت بـ«أميركا أولاً» وتبنّت خطاب العداء للعالم، لكنها اليوم ترفع شعار «لا للحرب مع إيران»، أو على الأقل، «ليس الآن، ليس من أجل تل أبيب».

في الزاوية الأخرى من الحلبة، يتصدر المشهد النجم السابق لقناة «فوكس نيوز» الجمهورية، تاكر كارلسون، ومعه عرّاب الخطاب الشعبوي في أميركا، ستيف بانون.

كلاهما أطلق صفارات الإنذار ضد أي تورّط أميركي في الصراع الإسرائيلي-الإيراني. كارلسون، بصراحته المعتادة، وصف محطات مثل «فوكس» بأنها «شبكات دعاية»، وأطلق على زميله مارك ليفين (أخطر مُنظّر للأيديولوجيا اليمينية في أميركا وصاحب الصوت الأعلى في جوقة التحريض) لقب «الزوجة السابقة التي تصرخ طلباً للنفقة»، في إشارة إلى فائض الانفعال والتجييش التي بلغها بعض دعاة الحرب في الإعلام اليميني.

ستيف بانون، بدوره، لم يبتعد كثيراً عن خط كارلسون، وصرّح علناً بأن «علينا أن نوقف انخراط أميركا في هذه الحرب».

هذا التحالف المفاجئ بين مؤثري «ماغا» جعل أصوات الانعزاليين تعلو في وجه دعوات التدخل. وبينما كان الإعلامي المحافظ شون هانيتي، نجم «فوكس نيوز» الليلي منذ عام 2009، ومارك ليفين يحتفلان بضربات «إسرائيل»، كان كارلسون يرد عليهم ساخراً: «الانقسام الحقيقي ليس بين من يدعم إسرائيل أو إيران، بل بين دعاة العنف وصانعي السلام».

ترامب في متاهة الضغوط ترامب نفسه يحاول المشي فوق الحبل المشدود. تارة يلمّح إلى «إمكانية» تدخل أميركي، وطوراً يتهرّب من الإجابة أمام الصحافيين: «لا أريد التحدث عن ذلك». على مواقع التواصل، يصرخ بصيغة الأمر: «إيران لا يمكنها امتلاك سلاح نووي أبداً»، لكنه في الوقت نفسه لم يتخذ قرار الحرب حتى الآن. انقسام البيت الجمهوري أصبح أكثر وضوحاً: الصقور يطالبون بضرب «فوردو» فوراً، فيما انعزاليّو «ماغا» يذكّرون ترامب بوعده الانتخابي بعدم الزج بأميركا في حروب جديدة. حتى نائب الرئيس جاي دي فانس، وأصوات مؤثرة أخرى، حذروا من تكرار مغامرات العراق وأفغانستان.

من حرب الستة أيام إلى كوابيس العراق من يعتقد أنّ هناك وضوحاً في هذا المشهد، فهو غارق تماماً في ضباب الحرب. الإعلام يضخ تحليلات متضاربة، والجنرالات يجهّزون حاملات الطائرات، بينما لا أحد يجرؤ على الجزم بما سيحدث غداً. بعضهم يروّج لسيناريو انتصار سريع مثل عام 1967، فيما آخرون يستحضرون مستنقع العراق عام 2003. حتى في أروقة البنتاغون، كل فريق له حساباته وأوهامه.

وهنا تأتي القنبلة الفعلية: حتى لو قررت أميركا التدخل، فإن العملية لن تكون بالسهولة التي يتخيلها البعض. مفاعل «فوردو»، العصي على القصف، يحتاج إلى قنابل خارقة تملكها فقط أميركا.

وبحسب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك: «حتى الأميركيين لا يستطيعون تأخير البرنامج النووي الإيراني أكثر من بضعة أشهر». بمعنى آخر: كل هذه الجعجعة قد تفضي إلى لا شيء سوى إطالة أمد الحرب، وربما تعجيل كارثة إقليمية لا أحد يعرف حدودها.

من يصنع الحقيقة؟ اللافت أن مشهد التحريض والحشد الإعلامي صار أكثر عبثية من أي وقت مضى. «فوكس نيوز» ترفع الصوت لأقصى درجة، تطالب برد ساحق، وتضخ الدعاية في عقول المشاهدين، في حين يصفهم كارلسون بأنهم مجرد «صناع بروباغندا يملؤون الشاشات بتوجيهات الحرب حتى يقتنع بها المشاهد الأميركي البسيط». أما بانون، فيردد «اذهبوا وحدكم… إذا أردتم الحرب حقاً، نفذوها بأنفسكم».

انتقل الانقسام من الشاشات إلى غرف القرار. فالجمهوريون التقليديون والجنرالات من طراز مايكل كوريلا (قائد القيادة المركزية الأميركية) والسيناتور الجمهوري المتشدد توم كوتون (نشر قبل ساعات على إكس: «الحرب الأبدية هي الحرب التي تشنها إيران ضد الولايات المتحدة وإسرائيل والعالم المتحضر منذ عام 1979») يضغطون بكل ما أوتوا من قوة، بينما «ماغا» تلعب لعبة مزدوجة: ترفع الشعارات النارية، لكنها ترفض التضحية بجندي واحد خارج الحدود.

الأسوأ لم يأتِ بعد يرفع ترامب ورقة «الصفقة»: يمكننا إنجاز اتفاقية تنهي الحرب. هكذا كتب على السوشال ميديا، كما لو أنّ أزمة قد تتدحرج إلى مواجهة نووية يمكن حلّها بصفقة عقارية في مانهاتن.

لكن حتى صقور صحيفة «وول ستريت جورنال» الجمهورية أوضحوا له أن «الحياد الأميركي يعني حرباً أطول»، أي أنّ كل الخيارات سيئة، والأسوأ لم يأتِ بعد.

الواقع أنّ أحداً لم يعد يميز بين الدعاية والحقيقة. الضباب يلف المنطقة كلها. هل سيدخل ترامب حرباً لم يرغب بها يوماً؟ هل ستكسب قاعدة «ماغا» معركة الانعزال أمام جنرالات المجمّع الصناعي العسكري؟ أم أنّ الجميع أدوار ثانوية في مشهد لا أحد يعرف من يخرجه؟

العالم كله اليوم يقف على حافة هاوية تصنعها الحسابات الضيقة والأوهام القديمة.

«إسرائيل» تبحث عن نصر سريع، إيران تراهن على الصمود، وأميركا تتأرجح بين انعزاليتها القديمة وإغراءات دور الشرطي العالمي.

أما الجماهير، فلا تملك إلا المتابعة عبر الشاشات، وسط انفجار التحريض وسيل التحليلات وخليط الشائعات والتسريبات.

الخلاصة أنّ لا أحد يمسك بزمام اللعبة فعلاً. الحرب تخلق ضبابها الخاص، وتفرض إيقاعها على الجميع. وحدها المفاجآت قادرة على إعادة ترتيب الأوراق. أما اليقين الوحيد، فهو أن كل شيء قابل للتغير في لحظة.

ورغم قسوة الواقع، ربما يثبت الإيرانيون مرة أخرى أنّ الصبر والقدرة على التحمل هما اللذان يصنعان الفارق في هذا العالم البائس.

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

مشاركة المقال: