في 30 أيار 2025، كرّمت جامعة غازي عنتاب للعلوم الإسلامية والتكنولوجيا التركية كوكبة من أساتذتها المتميزين، وكان على رأسهم الدكتور إبراهيم خليل الشبلي، الذي نال جائزة أفضل مدير قسم، تقديرًا لإنجازاته الأكاديمية والإدارية، وقيادته الفاعلة لقسم اللغة العربية في الجامعة. جاء هذا التكريم تتويجًا لمسيرة علمية وإنسانية استثنائية، انطلقت من قلب المحنة السورية، وتحوّلت إلى قصة نجاح في قلب بلاد اللجوء. “هذا التكريم ليس لي وحدي”، يقول الدكتور الشبلي في تصريح خاص لـ ، “بل هو شهادة على أن الأكاديمي السوري يستطيع أن يكون فاعلًا ومنتجًا أينما وُجد، رغم كل ظروف الشتات.”
من الثورة إلى الجامعة: رحلة محفوفة بالمعنى
وُلد إبراهيم الشبلي في سوريا، حيث درس الأدب العربي في جامعة حلب، ثم حصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة اللاذقية(تشرين)، نال شهادته العليا عام 2012، في لحظة كان فيها الوطن يشتعل، وكل ما فيه ينهار. “أن تكتب وأن تواصل طلب العلم وسط الحريق، هو شكل من أشكال المقاومة”، يضيف الشبلي. “ولذلك كانت الكتابة عندي فعلًا وجوديًا قبل أن تكون ممارسة أكاديمية.”
من النقد الأدبي إلى نقد الواقع
لم يكن اهتمام الدكتور الشبلي محصورًا في الجوانب النظرية، بل انخرط بقوة في قضايا الثورة السورية والهوية والتحولات المجتمعية. شارك في معرض عنتاب العربي للكتاب بمداخلة بعنوان: “محنة اللجوء في السردية السورية: قراءة من منظور النقد الثقافي”، تناول فيها الأعمال الأدبية التي رصدت تجربة السوريين في المنفى.
من أبرز كتاباته في هذا السياق:
“الاستقرار الاستبدادي للثورة السورية”: دراسة تحليلية نقدية تناولت أسباب بقاء النظام السياسي السوري لعقود.
“الثورة والتغيير من منظور سوسيوأدبي”: تفكيك للأبعاد الاجتماعية والأدبية التي ظهرت مع تحولات المجتمع إبّان الثورة.
تحليلٌ لعدة نماذج روائية سلطت الضوء على قضايا اللجوء، وتفكك الهوية، وصراع الذات في المغتربات.
رائد في الأكاديمية التركية
بدأ التدريس في جامعة الفرات بسوريا، ثم تابع مسيرته الأكاديمية في تركيا، متنقلاً بين جامعات ماردين وألانيا، حتى استقر في جامعة غازي عنتاب للعلوم الإسلامية والتكنولوجيا، حيث يرأس اليوم قسم اللغة العربية. بفضل إدارته الديناميكية، وتحديثه للمناهج، وتطويره للخطط البحثية، حاز على احترام واسع في الأوساط العلمية التركية والعربية، وكان تكريمه الأخير ثمرة لهذا المسار الاستثنائي.
مشروع معرفي متكامل
ألّف الدكتور الشبلي عدة كتب مرجعية، أبرزها: “الذات والآخر في الرواية السورية”: دراسة فكرية معمقة في الهوية والصورة الثقافية.
“صورة البطل في قصص الأطفال”: قراءة في أدب الطفل وتحولاته في ظل هيمنة التكنولوجيا. كما نشر أبحاثًا باللغتين التركية والعربية، وناقش وأشرف على عشرات رسائل الماجستير والدكتوراه، وأسهم في تطوير برامج أكاديمية متعددة.
بوصلة إنسانية لا تحيد
رغم الانشغال الأكاديمي، لم يتخلّ الدكتور الشبلي عن التزامه الإنساني، فقد درّب المكفوفين على المسرح، ودرّس طلاب الأيتام تطوعًا، وشارك في ورش تعاون أكاديمي مع جامعات بريطانية، إيمانًا منه بأن المعرفة مسؤولية أخلاقية، لا مجرد مسيرة مهنية. “العلم بدون بعد إنساني يتحوّل إلى سلطة جوفاء. ولذلك أؤمن أن التدريس هو في جوهره فعل تواصل مع الآخر”، كما قال في ختام حديثه لـ .
مثال يُحتذى
تُجسد تجربة الدكتور إبراهيم الشبلي نموذجًا للمثقف السوري الذي لم تُغرقه المحنة، بل حفّزته على البناء. قصة تثبت أن النجاح في المنفى ليس استثناءً، بل ممكنٌ حين يقترن الشغف بالمعرفة، والالتزام بالمعنى.