عبير القزاز: تتجول أعين الناس في شوارع وأحياء دمشق بحثاً عن الراحة والنقاء، وتتلمس الأرواح في شوارع العاصمة نسمة هانئة لتتنشق شذى الجوري والياسمين الدمشقي الجميل.
لكن المشهد الملون يصدم المواطن بصورة تعكس ظلامية الواقع، بأكوام القمامة التي تمتلئ بها الكثير من شوارع دمشق.
هذا المشهد القاتم بات يؤرق الكثيرين من سكان دمشق، المدينة التي دفعت تكاليف باهظة لكونها كانت عاصمة (النظام البائد)، ومازالت آثار وحشيته بادية على كل زاوية من زواياها.
يمكن استثناء قلة من الشوارع (الراقية)، فيما يقول الكثير ممن نفد صبرهم: ما زلنا نتعامل بـ (خيار وفقوس)!
النظافة الطبقية: هناك أحياء تفتقر لأقل مقومات النظافة والصحة، حيث تطل مكبات وحاويات القمامة على نوافذ منازل، مثل دف الشوك والتضامن والزاهرة، والعرين وحي مساكن الأحرار، وقدسيا والأحياء الواقعة على أطراف المدينة والقائمة تطول، بينما لا تظهر تلك المشاهد في أحياء المالكي وأبو رمانة والمزة فيلات والمتصلة والأتستراد. تظهر المفارقة ومعاملة الأحياء بين مؤهل للحماية من تلك المظاهر، ومن لا حظ له في وقاية أسرته من الأمراض، والعيش بمساحة من النظافة وسط كل ما يحيط به من ظروف معيشية صعبة.
مخاطر بيئية: بينما هناك حملة تجميل لبعض المناطق التي تعتبر واجهة سياحية أولى، ترويجاً لزيارة دمشق، ترتع باقي المناطق بين سوء التخديم والتهميش، فيبدو الأمر وكأننا في معضلة حقيقية، وهي أن المواطن بات في آخر حسابات الجهات المختصة. فحتى عدد الحاويات المخصصة غير كافٍ، وهنا قد ترى ذلك المنظر السيريالي، بحاوية أو حاويتين وحولهما أكوام وأكوام من القاذورات والأوساخ، مترافقة بالذباب والحشرات، ما يعكس تردي الوضع البيئي والصحي، إذا ما بقي الحال كما هو عليه دون اتخاذ تدابير وقائية، وخطط حقيقية، تقوم بها الحكومة لدرء المخاطر المحتملة.
من جهة أخرى تقع مسؤولية كبيرة على المواطنين الذين يلقون بكل الحمل على الدولة التي باتت في مواجهة كبيرة، لترقيع المآسي والكوارث التي خلفها النظام البائد، فمشاهد إلقاء الأوساخ، سواء من شبابيك البيوت أو السيارات، باتت وكأنها أمر اعتيادي في حياة الكثير من قاطني المدينة، ناهيك عن رمي الأكياس في كل مكان عدا حاويات القمامة، وكأن شوارع المدينة لا تخصهم، وقد فقدوا روح الانتماء و تحمل المسؤولية، ما جعل المدينة العريقة التي كان يتغنى الجميع بجمالها وأجوائها الساحرة، وحضارتها وأهلها، في وضع مزرٍ.
مسؤولية المواطنين: على سبيل المثال لا الحصر، قد يكفي الناظر أن يطل على سفوح قاسيون، (الجندي المجهول) ليرى كيف تكون اللامسؤولية، فهذا المكان الذي يعتبر المتنفس الحالي لأهالي المدينة، أصبح بعد كل ليل يسهر فيه الزوار مكاناً يبكي حاله، فقد بات مرتعاً لآثار التلوث البصري والصحي، من أكياس المهملات وبقايا الطعام، ورماد “الأراكيل”.
هنا يلح السؤال على الكثير من سكان المدينة: على من تقع المسؤولية؟ على الجهات المسؤولة في الدولة، أم على المواطنين، الذين فقدوا حس المسؤولية وباتت الأرض التي يعيشون عليها لا تعنيهم من قريب ولا بعيد؟!
بين هذا السؤال وذاك الجواب الذي لا يشفي، تبقى المشاهد نفسها وتبقى الشوارع تئن اتساخاً وإهمالاً إلى أن تكون هناك حلول شافية، وقوانين ملزمة، ولعل ذلك لا يطول كي تعود مدينة الياسمين اسماً على مسمى.