الأحد, 22 يونيو 2025 07:31 PM

حدائق حلب: إقبال متزايد وخدمات متدهورة بانتظار خطة إنقاذ

حدائق حلب: إقبال متزايد وخدمات متدهورة بانتظار خطة إنقاذ

تشهد الحدائق العامة في مدينة حلب شمالي سوريا إقبالًا كبيرًا مع حلول فصل الصيف وعطلات نهاية الأسبوع، حيث أصبحت هذه المساحات الخضراء ملاذًا للعائلات الباحثة عن متنفس بأسعار معقولة وآمن، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي.

يفضل الكثير من الأهالي الجلوس في الحدائق العامة على ارتياد المقاهي والمطاعم بسبب ارتفاع الأسعار وعدم قدرة معظم العائلات على تحمل تكاليف الترفيه. توفر الحدائق مساحة للتنزه واللقاءات العائلية، وتتيح للسكان، وخاصة الشباب والأطفال، التجمع والتواصل الاجتماعي في ظل غياب بدائل ترفيهية مناسبة.

ذكرت سميرة (45 عامًا) لـ عنب بلدي أنها تزور حديقة "السبيل" بشكل شبه يومي مع أطفالها الثلاثة، مشيرة إلى أن انقطاع الكهرباء وارتفاع الحرارة في المنزل يجعلان الحديقة الملاذ الوحيد للاسترخاء دون تكاليف إضافية.

وقال جابر، وهو شاب يعمل في خدمة توصيل الطلبات، لـ عنب بلدي، إن الحديقة مكان للاسترخاء بعد ساعات العمل الطويلة، مضيفًا أن ارتفاع أسعار المقاهي يجعل الحديقة الخيار الأفضل للقاء الأصدقاء دون تحمل نفقات إضافية.

تشهد بعض الحدائق بقاء الزوار حتى ساعات متأخرة من الليل، في ظل غياب البدائل الترفيهية داخل المنازل، ومعاناة الكثير من السكان من ضعف خدمات الكهرباء والمياه والإنترنت.

نقص في الخدمات الأساسية

على الرغم من أهمية الحدائق في التخفيف من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على السكان، إلا أنها تعاني من نقص واضح في الخدمات والمرافق الأساسية، مثل الإضاءة والمياه ودورات المياه، بالإضافة إلى قلة عمال النظافة. هذا النقص يحد من قدرة الأهالي، وخاصة الأطفال وكبار السن، على الاستفادة الكاملة من هذه المساحات، مما يجعل استمرار استخدامها كمتنفس آمن ورخيص أمرًا صعبًا.

بحسب رصد عنب بلدي لعدة أحياء، تحتاج حدائق مثل "الرازي" و"سيف الدولة" و"بستان القصر" إلى تأهيل كامل من حيث الأرضيات والمقاعد وألعاب الأطفال، كما تفتقر إلى حملات تشجير حقيقية تعيد لها دورها كمساحات خضراء.

تنتشر النفايات في بعض الزوايا مع نهاية كل يوم، مما يؤثر سلبًا على النظافة العامة ويهدد الغطاء النباتي، في ظل غياب الرقابة الفاعلة وتفاعل محدود من الزوار مع حملات التوعية.

إلى جانب نقص الإضاءة وضعف خدمات النظافة، تعاني العديد من حدائق حلب من تهالك ألعاب الأطفال، مثل "الزلّاقات" (الزحاليق) و"المراجيح"، حيث تظهر عليها علامات الكسر أو الصدأ أو التلف الكامل في بعض الحالات. أصبحت هذه الألعاب، التي من المفترض أن تكون عامل جذب للأطفال، مصدر خطر محتمل بسبب إهمال صيانتها أو استبدالها.

يتجنب العديد من الأطفال استخدام بعض الألعاب داخل الحدائق، أو يكتفون باللعب بحذر، بسبب حالتها المتردية وغياب أي إشراف بلدي أو لافتات تحذيرية، مما يفقد هذه المساحات جزءًا كبيرًا من دورها كأماكن آمنة ومناسبة للترفيه.

تحديات تواجه مديرية الحدائق

أوضح مدير مديرية الحدائق في حلب، عبد الرزاق الصالح الحجّي، أن معظم الحدائق والمرافق التابعة للمديرية، بما في ذلك الحدائق العامة والمنصفات والدوارات والأحواض المائية والأحراش، لا تزال بحاجة إلى تأهيل واسع نتيجة الدمار الذي طالها خلال السنوات الماضية.

وأشار الحجّي، لـ عنب بلدي، إلى أن الحديقة العامة وحديقة "السبيل"، وسط المدينة، تُعدان من الحدائق "الأفضل حالًا"، إلا أنهما مؤهلتان بنسبة لا تتجاوز 50%، وتحتاجان إلى ترميم إضافي، خاصة في الأحواض المائية.

وحول أبرز التحديات، ذكر الحجّي أن المديرية تعاني من قلة اليد العاملة، وضعف الآليات، وعدم توفر صهاريج مياه أو آليات مساعدة، مشيرًا إلى أن أغلب الحدائق، بما فيها "العامة" و"السبيل"، بحاجة إلى تأهيل وترميم شامل.

وبحسب الحجّي، يعمل في المديرية حاليًا 195 عاملًا، يشملون الإداريين والحراس والفنيين والسائقين وعمال النظافة، وهي أعداد لا تكفي لتغطية المدينة، خاصة مع غياب الميزانيات اللازمة لإجراء أعمال الصيانة الدورية. وأضاف أن أغلبية عمليات الصيانة تُنفذ عبر منظمات داعمة أو حملات تطوعية.

خطط عمل مستقبلية

أشار مدير الحدائق إلى أن المديرية وضعت خطة عمل متكاملة تشمل الترميم وإعادة التأهيل، والسقاية والتعشيب والتقليم، إلى جانب حملات نظافة وتوزيع سلال قمامة، وزراعة نحو 50 ألف غرسة في الحدائق والمحاور الرئيسة.

وأكد أن أعمال التشجير شملت عددًا من الحدائق، بينها الحديقة العامة و"السبيل" و"الكتاب" و"سيف الدولة" و"الحمدانية"، وبعض حدائق القطاع الشرقي، لافتًا إلى أن هناك خطة لتأهيل الحدائق في تلك المناطق بشكل كامل، بالتعاون مع مجلس مدينة حلب والمنظمات الداعمة.

وذكر أن مديرية الحدائق تجري حملات توعية لزوار الحدائق، وتنسق مع الضابطة العدلية لضبط المخالفات، كما ترحب بالمبادرات التطوعية التي تستهدف المرافق العامة، وتشرف على تنفيذها.

ودعا الحجّي سكان المدينة إلى الحفاظ على المرافق الخضراء، وعدم إلقاء القمامة في غير أماكنها، أو إشعال النيران داخل الحدائق، بما يضمن بيئة نظيفة وآمنة ومستدامة لجميع السكان.

جهود تطوعية

شهدت مدينة حلب خلال الأشهر الماضية عدة مبادرات لتنظيف وتجميل الحدائق العامة، كان من أبرزها حملة "رجعنا يا حلب" التي انطلقت في أواخر كانون الأول 2024، بمشاركة فرق من "الدفاع المدني السوري" وعدد من الجمعيات والفعاليات والفرق التطوعية.

استهدفت الحملة تنظيف الطرق وتجميل المنصفات والحدائق، لا سيما في مواقع مثل الحديقة العامة ودوار "قصر المحافظ" وحديقة "السبيل"، في إطار جهود لإعادة الحيوية إلى أحياء المدينة المتضررة بفعل الحرب.

شملت أعمال الحملة نقل الأوساخ والأنقاض، ورعاية الأشجار، وزراعة غراس جديدة، إلى جانب تنفيذ جداريات فنية على جدران عدد من المرافق، بهدف استعادة الطابع البصري وتعزيز حضور المساحات الخضراء في المدينة.

ورغم محدودية الموارد الرسمية آنذاك، حاولت الحملة تحسين الواقع الخدمي داخل الحدائق العامة، وأسهمت في تحفيز حركات شبابية تطوعية شاركت في تنظيف عدد من المساحات العامة، في ظل معاناة مستمرة من نقص الإضاءة، وغياب خدمات النظافة الدورية، وسوء صيانة المرافق الأساسية.

مشاركة المقال: