الإثنين, 23 يونيو 2025 04:40 AM

تفجير كنيسة مار إلياس بدمشق: داعش يتبنى والتحقيقات تكشف الرسائل الأمنية

تفجير كنيسة مار إلياس بدمشق: داعش يتبنى والتحقيقات تكشف الرسائل الأمنية

اتهمت وزارة الداخلية السورية تنظيم “داعش” بالمسؤولية عن التفجير الانتحاري الذي استهدف كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بدمشق. أدى الهجوم إلى سقوط قتلى وجرحى من المصلين، مما سلط الضوء مجددًا على خطر التنظيمات المتطرفة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ سوريا.

يأتي هذا التفجير في ظل التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، وفي خضم بوادر استقرار حذرة بدأت تظهر بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي، وبدء مرحلة انتقالية بقيادة حكومة الرئيس أحمد الشرع، التي تحظى بدعم عربي وإقليمي ودولي متزايد. يثير توقيت وموقع التفجير تساؤلات حول المستفيد من زعزعة الاستقرار، وما إذا كان هذا الهجوم مقدمة لسلسلة تفجيرات تهدف إلى إرباك المشهد السوري في هذه المرحلة الانتقالية الدقيقة.

أصابع الاتهام… وإشارات مزدوجة

يرى الباحث والأكاديمي عرابي عرابي أن التفجير يحمل رسالة أمنية واضحة مفادها أن التنظيم ما زال موجودًا، وأن بعض "الفلول" و"قسد" ربما سهّلوا تنفيذ العملية بشكل مباشر أو غير مباشر. ويضيف أن الأطراف التي تعادي الحكومة قد تجد مصلحة في زعزعة الأمن الداخلي، وأن التنظيم يوجه رسالة مفادها: نحن هنا وقادرون على التصعيد.

وأشار عرابي إلى احتمال وجود خلايا نائمة داخل المدن السورية، بما في ذلك دمشق، مؤكدًا أن هذا التفجير لن يكون الأخير ما لم تُبذل جهود دقيقة لرصد المتطرفين ومراقبة أي تحركات قد تشير إلى نشاطات إرهابية. واعتبر أن استهداف المكون المسيحي تحديدًا يرتبط بخلفية التنظيم الفكرية، حيث يسعى لاستقطاب أنصاره عبر عمليات ذات طابع ديني طائفي واضح. وبحسب قوله، فإن التنظيم يختار المكونات الأكثر بروزًا في الواجهة، ولا يستبعد أن تنتقل الاستهدافات لاحقًا إلى طوائف ومناطق أخرى وفق حساباته الدعائية والتكتيكية.

تنظيم متأهّب وخطاب تصعيدي

من جهته، يرى الباحث المتخصص في الشؤون الأمنية نوار شعبان أن تنظيم “داعش” قدّم مؤشرات متعددة على نيته تنفيذ هجمات منذ أسابيع، لافتًا إلى تصاعد وتيرة إصداراته الإعلامية، ولا سيما عبر صحيفة “النبأ” الأسبوعية. ويدلل شعبان على فرضيته بالقول: "من حي الحيدرية في حلب إلى خلايا السيدة زينب، مرّت عدة محاولات – بعضها أحبطته السلطات ولم يُعلن عنه – مما يشير إلى محاولة التنظيم إثبات وجوده بأي ثمن".

واعتبر شعبان أن التنظيمات المتطرفة مثل داعش و"أنصار السنة" تعتمد هجمات خاطفة ومفاجئة يصعب إحباطها أمنيًا في اللحظة المناسبة، حتى لو كانت الأهداف مراقبة أمنيًا، فالخطر يكمن في كون هذه الخلايا تختار توقيتاتها وأهدافها بحرّية نسبية، وتعمل بأسلوب مرن يصعب التنبؤ به. ورأى أن الخطابات التي تصدر عن التنظيمات المتطرفة ليست مجرد بيانات، بل تهيئة نفسية وميدانية لتنفيذ عمليات فعلية، مما يحتم على الدولة الانتقال من الضبط الأمني العشوائي إلى العمل الاستخباراتي النوعي القائم على المعلومة الدقيقة والتحليل المسبق.

ويختم شعبان بالقول: "داعش قد لا يمتلك قدرة دائمة على زعزعة الاستقرار، لكن التنظيم قادر على خلق أثر لحظي كبير، ما لم تتم مواجهة الخطر عبر استراتيجية طويلة المدى تشمل تفكيك الخلايا النائمة ومعالجة بيئة التطرف، دون الاعتماد فقط على المقاربات الأمنية التقليدية".

ما بعد التفجير… عين على الداخل والعقل على المستقبل

تفجير كنيسة مار إلياس ليس مجرد حادث عابر، بل جرس إنذار في لحظة إعادة بناء الدولة السورية بعد سقوط منظومة دامت لعقود. التحدي الأكبر، اليوم، أمام الحكومة السورية يكمن في الجمع بين العدالة الأمنية والذكاء الاستخباراتي، والتحرك بخطى ثابتة نحو ترسيخ الاستقرار، دون الوقوع في فخ الاستفزازات التي قد تسعى بعض الأطراف لتوسيعها. ويبقى السؤال الأهم: هل تكون هذه الضربة الأولى في سلسلة، أم تتمكن سوريا الجديدة من كسر الدائرة قبل أن تبدأ؟

مشاركة المقال: