لا يزال المسؤولون في لبنان يراقبون عن كثب تداعيات المواجهة بين إيران وكل من إسرائيل والولايات المتحدة، مع طرح تساؤلات حول النتائج التي ستنعكس على أرض الواقع. وقف إطلاق النار المفاجئ الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب أثار استغراب الجميع، كونه لم يستند إلى اتفاق واضح، في وقت يواجه فيه لبنان تحديات مشابهة لتلك التي أعقبت الحرب مع إسرائيل.
في خضم الجدل حول إعلان ترامب لوقف إطلاق النار، يبقى السؤال قائماً حول مدى صمود هذه الهدنة، وسط مخاوف من تحول الساحة اللبنانية إلى ساحة لتفريغ غضب رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، الذي تعرض لضربات موجعة خلال الحرب مع إيران. بدا رئيس الحكومة الإسرائيلية في حالة استنزاف وغير راض عن نهاية الحرب، على الرغم من تحقيق إسرائيل لأهداف أمنية وعسكرية بدعم أميركي.
في هذا السياق، تستذكر أوساط سياسية تصريحات إسرائيلية متزامنة مع الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، تعبر عن رغبة إسرائيل في استئناف الحرب على لبنان، من خلال تسريبات حول نشاط ملحوظ لحزب الله. وقد علق مسؤولون إسرائيليون بأنهم لن يسمحوا للحزب بإعادة تنظيم صفوفه، وأن جميع الخيارات مطروحة.
كما أشارت الأوساط إلى تصريحات المبعوث الأميركي توم باراك، الذي أكد للمسؤولين في لبنان على ضرورة تجنب أي خطوات قد تثير غضب ترامب. ورغم عدم تحديد جدول زمني لموضوع سلاح حزب الله، أكد باراك أن المهلة ليست مفتوحة، وبحث في إمكانية إصدار الحكومة قراراً تنفيذياً بحصرية السلاح، ما قد يدفع الجانب الإسرائيلي إلى اتخاذ خطوات مماثلة.
على الرغم من القلق، لم يخف حلفاء إيران في لبنان ارتياحهم للنتائج التي حققتها إيران، معتبرين أنها لم تخرج مهزومة من هذه الحرب، وهو ما يعتبر إنجازاً كبيراً. ويرى هؤلاء الحلفاء أن إيران خرجت من المواجهة كقوة إقليمية لا يستهان بها.
تجري مراقبة انعكاسات ذلك على الساحة العربية، واضطرار حلفاء أميركا إلى إعادة تقييم مواقفهم، مما قد يفتح الباب أمام شراكة عربية – إيرانية تعزز الاستقرار، خاصة بعد إدراك الدول العربية للتوسع الإسرائيلي والرغبة في السيطرة على المنطقة بدعم أميركي. وبينما يراهن خصوم المقاومة في لبنان على ممارسة الولايات المتحدة ضغوطاً على لبنان لمحاصرة حزب الله ونزع سلاحه، يراهن المقاومة ومن معها على قدرة إيران على تحقيق التوازن، خاصة إذا عززت علاقاتها بمصر وتعاونها مع تركيا.
في لبنان، فقد خصوم المقاومة عنواناً رئيسياً في حملاتهم ضدها، حيث لم يكن موقف حزب الله الداعم لإيران جزءاً من الحرب، وظهر حزب الله كطرف مستقل، وأن سلاح المقاومة ليس سلاحاً إيرانياً، وحافظت المقاومة على التزامها بوقف إطلاق النار. كما أن ما حصل من شأنه تحقيق قدر أعلى من التوازن، بما يسمح بمناقشة هادئة بين القوى الفاعلة والمؤثرة للمحافظة على الاستقرار في لبنان، والذي لا يمكن تأمينه إلا من خلال التوازن وعدم السماح لأي فريق بالغلبة بحجة أن الفرصة الدولية والإقليمية تسمح بذلك.
علمت «الأخبار» أن الموفد الأميركي توم باراك، الذي زار لبنان قبل أسبوع، وينوي العودة إليه بعد أسبوعين، أعرب للرئيس العماد جوزيف عون عن تقديره لطريقته في إدارة الحوار حول سلاح حزب الله، ولو أنه شدد على أن مطلب نزع السلاح يبقى قائماً، وأنه مدخل لتحقيق استقرار أكبر، وهو يدرك أهمية تطبيق إسرائيل للاتفاق، وسيقوم باتصالاته لتأمين الانسحاب الكامل من جهة، وإنجاز الترتيبات التي تنهي حالة العداء.
كما أشار باراك إلى أن واشنطن التي تعمل بقوة على تطوير الوضع في سوريا سياسياً واقتصادياً، ترغب في أن ترى قريباً مستوى أعلى من التواصل بين دمشق وتل أبيب نحو مرحلة إنهاء حالة الحرب والعداء بينهما، معرباً عن أمله بأن يدرس لبنان هذه التجربة، لتحييد نفسه عن أي صراع من جهة، وإفساح المجال أمام حصوله على مساعدات تعينه في عملية النهوض الاقتصادي.
بين الخوف والارتياح، يبقى لبنان في دائرة الترقب بانتظار اتضاح المشهد في الأسابيع المقبلة، فالمنطقة أمام وقف إطلاق نار هش قد يسقط في أي لحظة، ولا أحد يضمن ما إذا كان نتنياهو الباحث دوماً عن طوق نجاة للبقاء في السلطة قد يلجأ في أي لحظة إلى مغامرة عدوانية يكون مركزها لبنان.