السبت, 28 يونيو 2025 12:30 AM

تحقيقات رويترز تكشف: تفاصيل مروعة عن خطف فتيات علويات في سوريا وعائلات مفجوعة

تحقيقات رويترز تكشف: تفاصيل مروعة عن خطف فتيات علويات في سوريا وعائلات مفجوعة

"لا تنتظرها، لا تنتظر أختك... ما بترجع"، بهذه الكلمات تلقّت عائلة عبير، في 21 مايو/أيار، رسالة عبر تطبيق واتساب بعد ساعات من اختفائها في مدينة صافيتا السورية. الخاطف، ومن ثم وسيط عرّف عن نفسه، أبلغوا العائلة أن عبير، البالغة من العمر 29 عامًا، ستُقتل أو تُباع في عمليات اتجار بالبشر إذا لم تدفع العائلة فدية قدرها 15 ألف دولار.

في 29 مايو/أيار، اتصلت عبير بعائلتها من نفس الرقم الذي يستخدمه الخاطف، والذي يحمل رمزًا عراقيًا، قائلة: "أنا ماني بسوريا... كل الحكي حولي غريب ما بفهم". اطلعت رويترز على هذا الاتصال المسجل، بالإضافة إلى نحو 12 مكالمة ورسالة أرسلها الخاطف والوسيط، الذي كان يتواصل من رقم هاتف سوري.

عبير هي واحدة من بين ما لا يقل عن 33 امرأة وفتاة من الطائفة العلوية في سوريا، تتراوح أعمارهن بين 16 و39 عامًا، تعرضن للخطف أو الاختفاء هذا العام، وفقًا لعائلاتهن. وقد تصاعدت هذه الحوادث في ظل الاضطرابات التي أعقبت سقوط الرئيس السابق بشار الأسد.

أدّت الإطاحة بالرئيس السابق في ديسمبر/كانون الأول، بعد حرب أهلية استمرت 14 عامًا، إلى إطلاق العنان لمواقف عنيفة ضد الأقلية المسلمة التي ينتمي إليها، واتجهت فصائل مسلحة تابعة للحكومة الحالية إلى مهاجمة المدنيين العلويين في مناطقهم الساحلية في مارس/آذار، مما أسفر عن مقتل المئات.

منذ مارس/آذار، تشهد وسائل التواصل الاجتماعي تدفقًا مستمرًا للرسائل ومقاطع الفيديو التي تنشرها عائلات العلويات المفقودات، حيث يتوسل الأقارب للحصول على أي معلومات عنهن. وفقًا لمراجعة أجرتها رويترز، تظهر حالات جديدة كل يوم تقريبًا، دون وجود روايات مماثلة عن اختفاء نساء من طوائف أخرى.

أفادت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا لرويترز أنها تحقق في حالات الاختفاء والاختطاف المزعومة لعلويات، بعد تزايد التقارير الواردة هذا العام. وأكد متحدث باسم اللجنة، التي تشكلت عام 2011 للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان بعد اندلاع الحرب الأهلية، أنها سترفع تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فور انتهاء التحقيقات.

ذكر أحد أقارب عبير لرويترز أن العائلة اقترضت من الأصدقاء والجيران لجمع فدية قدرها 15 ألف دولار، وحولتها إلى ثلاثة حسابات تحويل أموال مختلفة في مدينة إزمير التركية يومي 27 و28 مايو/أيار عبر 30 عملية تحويل تراوح المبلغ في كل منها بين 300 و700 دولار. وقدّم قريبها إيصالات المعاملات. وأوضح أنه بعد تحويل جميع الأموال وفقًا للتعليمات، توقف الخاطف والوسيط عن الاتصال وأغلقا هواتفهما، ولا يزال مصير عبير مجهولًا.

أظهرت مقابلات مفصلة مع عائلات 16 من النساء والفتيات المفقودات أن سبعًا منهن يعتقد أنهن اختُطفن، إذ تلقت عائلاتهن طلبات لدفع فدية تتراوح بين 1500 و100 ألف دولار. من بين هؤلاء، تلقى أقارب ثلاث مختطفات، بينهن عبير، رسائل نصية أو صوتية تخبرهم بأنهن نُقلن إلى خارج البلاد. ولم تتوافر أي معلومات عن مصير التسع الأخريات. ووفقًا للعائلات، فإن ثماني من العلويات المفقودات الست عشرة تقل أعمارهن عن 18 عامًا.

اطلعت رويترز على نحو 20 رسالة نصية ومكالمة ومقطع فيديو من المختطفات وخاطفيهن المفترضين، بالإضافة إلى إيصالات بعض تحويلات الفدية، إلا أنها لم تتمكن من التحقق من جميع تفاصيل روايات العائلات أو تحديد الأشخاص الذين قد يكونون وراء استهداف النساء أو دوافعهم.

اختفت جميع النساء الثلاث والثلاثين في محافظات طرطوس واللاذقية وحماة، التي تقطنها أعداد كبيرة من العلويين. وعاد ما يقرب من نصفهن إلى ديارهن بعد ذلك، إلا أن جميع هؤلاء النساء وعائلاتهن امتنعن عن التعليق على ملابسات ما حدث معهن، وأرجع معظمهم ذلك إلى مخاوف أمنية.

قالت أغلب الأسر التي أجرت رويترز مقابلات معها إنها شعرت بأن الشرطة لم تأخذ قضاياها على محمل الجد عندما أبلغت عن حالات الاختفاء أو الخطف، وإن السلطات لم تجر تحقيقات وافية. ولم ترد الحكومة السورية على طلب للتعليق على هذه القصة.

نفى أحمد محمد خير، مدير العلاقات الإعلامية في محافظة طرطوس، ما يتردد عن استهداف العلويين، وقال إن معظم حالات اختفاء النساء سببها نزاعات عائلية أو أسباب شخصية وليست عمليات خطف، دون أن يقدم ما يدعم ما يقوله بأدلة. وأضاف: "ممكن المختفية عندها مشاكل عائلية مع أهلها وعم تهرب من البيت أو ممكن أهلها عم يجبروها تتزوج حدا وهي ما بدها فبتهرب من البيت. ممكن بدها تشغل بال أهلها وتحسسهم بقيمتها وممكن مخطوفة". وتابع قائلًا: "هذه الادعاءات المتداولة دون تحقق، لا تساهم إلا في نشر الذعر وزرع الفتنة ومحاولة زعزعة الأمن والاستقرار، خصوصًا في محافظة طرطوس".

وكرر مدير العلاقات الإعلامية في محافظة اللاذقية ما قاله خير، وقال إنه في كثير من الأحيان تهرب نساء مع رجال على علاقة عاطفية بهم ويختلق الأهل قصص الخطف لتجنب الوصمة الاجتماعية. ورفض مسؤول الإعلام في محافظة حماة التعليق. وأحجم كذلك أحد أعضاء لجنة تقصي الحقيقة، التي شكلها الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع للتحقيق في عمليات القتل الجماعي للعلويين في المناطق الساحلية في مارس/آذار، عن التعليق على حالات النساء المفقودات.

ندد الشرع بسفك الدماء بغير وجه حق واعتبره ذلك تهديدًا لمهمته الرامية لتوحيد أمة أنهكتها الحروب، وتعهد بمعاقبة المسؤولين عنها حتى إذا كانوا ينتمون للحكومة.

* اختُطفت في طريقها إلى المدرسة

قال الناشط الحقوقي السوري يامن حسين، الذي يتتبع حالات اختفاء النساء هذا العام، إن معظمها حدث في أعقاب أعمال العنف التي وقعت في مارس/آذار. وأضاف أن حالات الاختفاء لم تستهدف، على حد علمه، سوى العلويات فقط، وأن هويات الجناة ودوافعهم لا تزال مجهولة. وتحدث عن انتشار الشعور بالخوف على نطاق واسع بين أبناء الطائفة العلوية التي تمثل فرعًا من المذهب الشيعي. ويشكل العلويون حوالي عشرة بالمئة من سكان سوريا ذات الأغلبية السنية.

ذكر حسين أن بعض النساء والفتيات في طرطوس واللاذقية وحماة يتغيبن عن المدرسة أو الجامعة خوفًا من الاستهداف. وأضاف: "هناك نمط متبع، إذ تختفي النساء العلويات في وضح النهار... استهداف نساء الطرف المهزوم هو أسلوب إذلال استخدمه نظام الأسد في السابق وكذلك قوات المعارضة ضد مهزوميها".

تم تهجير آلاف العلويين من منازلهم في دمشق، بينما تم فصل عدد منهم من وظائفهم أو يتعرضون للمضايقات على نقاط التفتيش من المقاتلين السنة التابعين للحكومة.

أظهرت المقابلات التي أجريت مع عائلات المفقودات أن معظمهن اختفين في وضح النهار في أثناء قيامهن بمهام أو تنقلهن في وسائل النقل العام. وأصغرهن سنا فتاة اسمها زينب. وذكر أحد أفراد أسرة زينب (17 عامًا) أنها اختطفت وهي في طريقها إلى المدرسة في بلدة الهنادي في اللاذقية في 27 فبراير/شباط، وأضاف أن من يشتبه في أنه الخاطف تواصل معهم عبر رسالة نصية لتحذيرهم من نشر صور الفتاة على الإنترنت. وقال الشخص في رسالة نصية أرسلها من هاتف الفتاة يوم اختفائها: "مثل ما نبهتكن صوره ما بدي شوف، أقسم بالله ببعتا بدما". وذكر قريبها أن زينب اتصلت هاتفيا لفترة وجيزة بمنزلها، وقالت إنها لا تعرف إلى أين تم اقتيادها وإنها تعاني من آلام في المعدة قبل انقطاع الخط. وليست لدى العائلة أي فكرة عما حدث لها.

وقال أحد أقارب امرأة أخرى تدعى خزامة لرويترز إن مجموعة من خمسة رجال اختطفتها في 18 مارس/آذار في ريف حماة وخدروها لتغيب عن الوعي لبضع ساعات خلال اقتيادها بعيدا. واستندت رواية القريب إلى ما قالته خزامة، الأم لخمسة أبناء، بعد عودتها. وذكر أحد أفراد العائلة أن خزامة البالغة 35 عامًا أمضت 15 يومًا في الخطف. وخلال هذه الفترة كان الخاطفون يتفاوضون مع الأسرة التي دفعت في النهاية 1500 دولار لضمان إطلاق سراحها. وأضاف أنها عندما عادت إلى المنزل كانت مصابة بانهيار عصبي.

وبعد أيام من اختطاف خزامة، قال أحد أفراد أسرة دعاء عباس البالغة 29 عامًا إن مجموعة من الأشخاص اختطفتها من أمام باب منزلها وجروها إلى سيارة كانت تنتظر في الخارج وانطلقوا بها بسرعة. وشهد القريب عملية الخطف في بلدة سلحب في حماة. وقال القريب، الذي لم ير عدد الرجال الذين اختطفوا دعاء أو ما إذا كانوا مسلحين، إنه حاول اللحاق بهم على دراجته النارية لكن السيارة غابت عن نظره.

ظهرت ثلاث علويات أبلغت عائلاتهن عن اختفائهن على وسائل التواصل الاجتماعي هذا العام ونفين علنا تعرضهن للخطف. وهؤلاء الثلاثة غير مشمولات في الحالات الثلاث والثلاثين التي أشارت لها رويترز. ونشرت إحداهن، وهي فتاة في السادسة عشرة من عمرها من اللاذقية، مقطع فيديو على الإنترنت تقول فيه إنها هربت من تلقاء نفسها للزواج من رجل سني. لكن عائلتها ناقضت روايتها، وقالت لرويترز إنها اختطفت وأجبرت على الزواج من الرجل، وإن السلطات الأمنية أمرتها بقول إنها ذهبت بمحض إرادتها لحماية خاطفيها. ولم يتسن لرويترز التحقق من أي من الروايتين. ولم يرد متحدث باسم الحكومة السورية وسلطات اللاذقية على استفسارات عن هذه المسألة.

وبالنسبة للعلويتين الأخريين اللتين عادتا إلى الظهور، وهما امرأة (23 عامًا) وفتاة (12 عامًا)، فقالتا لقنوات تلفزيونية عربية إنهما سافرتا بمحض إرادتهما إلى مدينتي حلب ودمشق على التوالي، إلا أن الأولى ذكرت أنها تعرضت للضرب من رجل في إحدى الشقق قبل أن تهرب.

* ذكريات قاتمة عن تنظيم الدولة الإسلامية

سيطر العلويون على المناصب السياسية والعسكرية العليا في البلاد لعقود في ظل حكم عائلة الأسد. وشهد السقوط المفاجئ للأسد في ديسمبر/كانون الأول صعود حكومة جديدة بقيادة هيئة تحرير الشام، وهي جماعة سنية انبثقت من تنظيم كان تابعا لتنظيم القاعدة قبل فك الارتباط به. وتسعى الحكومة الجديدة جاهدة لدمج مقاتلي عشرات الفصائل المعارضة السابقة، ومن بينهم مقاتلون أجانب، في قواتها الأمنية لملء الفراغ الذي خلفه انهيار الأجهزة الأمنية لنظام الأسد.

قالت عدة أسر تنتمي إليها النساء المفقودات إنها وأسر أخرى كثيرة تخشى سيناريو مرعبا يعاني فيه العلويون من مصير مماثل لما لحق بالأقلية الإيزيدية على يد تنظيم الدولة الإسلامية قبل نحو عقد. وبحسب الأمم المتحدة، استعبد التنظيم المتشدد آلاف النساء الإيزيديات جنسيا خلال فترة حكمه التي اتسمت بالإرهاب وشهدت إعلان قادته خلافة تشمل مناطق واسعة من العراق وسوريا.

تقض مخاوف عديدة مضاجع عائلة نغم شادي، وهي امرأة علوية اختفت هذا الشهر، وفقا لما قاله والدها لرويترز. وقال شادي إن ابنته البالغة من العمر 23 عاما غادرت منزلها في قرية البياضية بحماة في الثاني من يونيو/حزيران لشراء الحليب ولم تعد منذ ذلك الحين، مترقبا بألم أي خبر عن مصير ابنته. وأضاف أن عائلته اضطرت إلى مغادرة منزلها السابق في قرية مجاورة في السابع من مارس/آذار خلال أعمال العنف ضد العلويين. وقال: "شو بدنا نسوي؟ على الله".

* العنوان والنص لوكالة رويترز

مشاركة المقال: