كتب محمد خير الوادي: أشرت في مقالتي السابقة إلى أن الحرب الإيرانية – الإسرائيلية قد نشبت نتيجة لتصادم مشروعي الهيمنة الإسرائيلي والإيراني للسيطرة على الشرق الأوسط، وأن نتنياهو حاول إضعاف المشروع الإيراني لضمان تفوق الخط الإسرائيلي.
واليوم، بعد انقشاع غبار هذه الحرب الطاحنة، يثور السؤال: ما هو مصير هذين المشروعين بعد الحرب، وما مدى قدرتهما على تشكيل مستقبل الشرق الأوسط؟
على الرغم من ادعاءات إيران بالنصر وإلحاق الهزيمة بإسرائيل، يشير الواقع إلى أن المشروع الإيراني قد تعرض لانتكاسة استراتيجية ثانية، بعد النكسة الأولى التي حلت به في الحلقة السورية. فانتهاك الطيران الإسرائيلي للأجواء الإيرانية خلال أيام الحرب، والدمار الذي لحق بالمشروع النووي الإيراني، والبنية العسكرية والعلمية في إيران، أدت كلها إلى إضعاف المشروع الإمبراطوري الإيراني. إضافة إلى ذلك، فإن سقوط "الجوهرة السورية" من التاج الإيراني قد ألحق خسارة استراتيجية لا تعوض بمشروع الهيمنة الإيرانية. ثم إن الوضع الكارثي للاقتصاد الإيراني قد حد كثيراً من قدرة إيران على تمويل أذرعها الخارجية.
هذه الوقائع كلها تثير شكوكاً كبيرة حول استمرارية المشروع الإمبراطوري الإيراني. ولن تغير مبالغات أذناب إيران، وتبجحات أذرعها من هذا الواقع، ولن تنال من الحقيقة القائلة بأن مشروع الهيمنة الإيرانية، الذي تباهى يوماً بالسيطرة على أربع عواصم عربية وبناء الهلال الشيعي، بدأ بالانحسار، وأنه بات من الصعب إخفاء تلك الحقيقة.
أنتقل الآن إلى المشروع الآخر للهيمنة على الشرق الأوسط، وهو المشروع الإسرائيلي الذي يروج له نتنياهو. تستند خطط نتنياهو هذه إلى استخدام القوة حصراً والتلويح بها، لجر المزيد من الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل، بغض النظر عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والجولان. ويتجاهل المشروع الإسرائيلي خطط تهجير سكان غزة، ويلغي القضية الفلسطينية، ويشطب قرارات الأمم المتحدة، وكامل الجهود الدولية لتحقيق السلام العادل. وحسب نتنياهو، فإن إسرائيل ستفرض مشروعها هذا عبر القوة والقوة وحدها.
ويدعي نتنياهو أن إسرائيل قد تمكنت، عبر القوة، من تحقيق نصر مؤزر على إيران، وأن هذا "النصر" يشجع إسرائيل على المضي قدماً في خططها لبسط هيمنتها على الشرق الأوسط عبر القوة.
وادعاءات نتنياهو بتحقيق النصر، أمر بحاجة إلى نقاش وتدقيق. وهذه الادعاءات عاجزة عن إخفاء النكسات التي تعرضت لها إسرائيل خلال تلك الحرب. فلأول مرة تتعرض إسرائيل لدمار كبير، ويتجرع الإسرائيليون مرارة الحرب ومآسيها. والأهم من ذلك كله، أن الجيش الإسرائيلي قد بدا عاجزاً عن حسم الحرب، وأن إسرائيل قد دخلت في مرحلة استنزاف خطيرة، وأنه لولا المساعدة التي قدمها ترامب، عبر قصف المواقع النووية الإيرانية وإيقاف الحرب، لكانت إسرائيل قد دخلت في مرحلة استنزاف خطيرة لا أحد يتكهن بنتائجها.
ما أود قوله، إن القوة التي يتسلح بها نتنياهو لم تكن كافية لحسم الأمور مع إيران، وأن هذه القوة لن تكون لوحدها كافية أيضاً لضمان نجاح مشروع نتنياهو بالسيطرة على المنطقة عبر القوة المطلقة. ومفيد التذكير في هذا المجال، أن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن ولن يتمكن – رغم تفوقه الكامل – من السيطرة على غزة أو الضفة الغربية، وأنه رغم محاولات نتنياهو اليائسة لتهجير ما تبقى من الشعب الفلسطيني، إلا أن تلك المحاولات لم تنجح في دفع الدول العربية للقبول بخطط التهجير تلك. إضافة إلى ذلك، فإن مشروع نتنياهو يسقط من حساباته وجود وتأثير قوى إقليمية صاعدة في المنطقة، وهي السعودية وتركيا، وهاتان الدولتان تعارضان بشدة بسط الهيمنة الإسرائيلية.
ونقطة أخرى لم يأخذها نتنياهو في اعتباره، وهي عدم تطابق مشروعه للهيمنة على المنطقة مع السياسة الأمريكية، التي تقول بدعم الاستقرار والهدوء والتعاون وإحلال السلام في الشرق الأوسط. وشهدنا نقاط عدم التطابق هذه، في الموقف من سورية، وفي الاتفاق الذي أبرمته أمريكا لوقف إطلاق النار مع الحوثيين، وفي اتصالات واشنطن مباشرة مع حماس من وراء ظهر الإسرائيليين. ثم إن محاولات نتنياهو لطمس القضية الفلسطينة قد أخفقت، والدليل على ذلك جهود السعودية لعقد مؤتمر دولي حول حل الدولتين، والتضامن الواسع مع نضال الشعب الفلسطيني الذي يجتاح أوروبا والعالم كله والعزلة الدولية التي تحيط بإسرائيل. ولا بد – بهذا الخصوص -من التذكير – أن الجولان هي أرض سورية، ولن يتم التنازل عنها تحت أي ظرف.
هذا كله يؤكد، أن مشروع نتنياهو للهيمنة على الشرق الأوسط بات يعرج الآن، وأن مقولة أن إسرائيل تستطيع فرض ما تريد بالقوة العسكرية، باتت أيضاً مدعاة للشك.
كلمة أخيرة أقولها، إن الحرب مع إيران، التي أضعفت مشروع الهيمنة الإيرانية في المنطقة، لم تقدم في الوقت نفسه، عوامل قوة إضافية لخطط نتنياهو الرامية إلى السيطرة على الشرق الأوسط. بل على النقيض من ذلك، فهذه الحرب أظهرت عجز إسرائيل وعدم قدرتها على حسم الأمور. وهذه حقيقة ينبغي أخذها بالحسبان (اخبار سوريا الوطن 1-الوادي للدراسات الاسيوية)