السبت, 28 يونيو 2025 04:24 PM

تحليل: هل المواجهة العسكرية المباشرة بين أمريكا وإيران انتهت؟ وليد شرارة يوضح

تحليل: هل المواجهة العسكرية المباشرة بين أمريكا وإيران انتهت؟ وليد شرارة يوضح

قد لا تتجدد المواجهة العسكرية المفتوحة بين المحور الإسرائيلي – الأميركي – الغربي من جهة، وإيران من جهة أخرى، لكن المرجح هو أن الحرب ستستمر بوتيرة وأشكال أخرى، كما يرى وليد شرارة. لقد أثبتت هذه الحرب أن مرور الزمن لم يدفع الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في ثوابتها الإستراتيجية في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها ضرب أي مسعى إلى الاستقلال والنهضة من جانب بلدان المنطقة.

ستخيب واشنطن، مرة أخرى، آمال من تصوروا أن في الإمكان التوصل إلى فك اشتباك إستراتيجي معها، نتيجة المتغيرات التي طرأت على الوضع الدولي وما سترتبه على جدول أعمالها. صحيح أن الولايات المتحدة تناصب العداء لأي مشروع للاستقلال والتنمية والعدالة في أي بقعة من بقاع الجنوب العالمي، كما في أميركا اللاتينية أو أفريقيا، وتحاول عرقلته وتخريبه من الداخل إن استطاعت ذلك، لكنها لا تلجأ تلقائياً إلى الحرب المفتوحة لضربه وإجهاضه كما تفعل في ديارنا. نحن نحظى بـ«معاملة استثنائية» تستند إلى قناعة النخب الحاكمة في واشنطن، بغالبية تياراتها، بأننا فضاء مستباح تستطيع أن تُعيد هندسته كما تشاء، عبر استخدام القوة العارية.

هي خططت لإسقاط النظم الوطنية في فنزويلا وبوليفيا وفي البرازيل – على سبيل المثال لا الحصر – عبر دعم المعارضات اليمينية، وتشجيعها حتى على تنظيم عمليات انقلابية للإطاحة بالنظم المذكورة. غير أنها لم تتدخل عسكرياً لمساندة مثل هذه العمليات، ما أدى إلى فشلها. أما منطقتنا، خاصة بعد نهاية الثنائية القطبية، فقد أصبحت، وفقاً لتقارير البنتاغون، «المسرح المركزي للعمليات العسكرية» و«قوس الأزمات»، بحسب بعض المسؤولين الأميركيين، أو «قوس المجازر» بحسب بعضهم الآخر، أي الإقليم الذي لا تتردد في شن الحروب على بلدانه عندما تراها مناسبة لمخططاتها و/ أو هلوسات قادتها ومعاونيهم.

ألم يبرر جورج بوش الابن غزوه للعراق بسماعه صوتاً يأمره بذلك؟ ألم يقل مايك هاكابي، السفير الأميركي في إسرائيل، إن ترامب هو «المخلص»، لتشجيعه على ضرب إيران؟ من يود معرفة المزيد حول ما يدور في أذهان «ثلة المخلصين» المشار إليها، ما عليه سوى إلقاء نظرة على كتاب «الحرب الصليبية الأميركية» الصادر في عام 2020 لمؤلفه الفذ، بيت هيغسيث، وزير الدفاع الأميركي الحالي، الذي يسهب في شرح الدوافع الوجيهة لخوض المعارك دفاعاً عن إسرائيل، والتي يعدها معارك الحق ضد الباطل!

بتنا نعرف اليوم، بعد توالي «اعترافات» المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين، أن هدف الحرب ضد إيران هو إسقاط نظامها الإسلامي، وليس تدمير برنامجيها النووي والصاروخي. التصريح/ الاعتراف الأكثر بلاغة أتى على لسان وزير الأمن الإسرائيلي، الذي أقر بأن قيادته أرادت اغتيال مرشد الجمهورية الإسلامية، لكنها لم تتمكن من الوصول إليه. لا حاجة إلى التذكير بأن مثل هذا القرار، مع ما سينجم عنه من مفاعيل، لا يعقل أن تتخذه القيادة الصهيونية وحدها من دون تفاهم كامل مع تلك الأميركية. كل مجريات هذه الحرب، منذ لحظاتها الأولى، تشي بأننا كنا أمام محاولة أميركية – إسرائيلية لإسقاط النظام، تبدأ بحمله على «الاستسلام غير المشروط» كما أعلن ترامب. ولذا، لم تكن مصادفة أن يركز مرشد الجمهورية الإسلامية، في خطابه الأخير، على استحالة قبول بلاده بالاستسلام.

لقد أعد لهذه الحرب بتأن من جانب ترامب وفريق دُماه، بالشراكة مع إخوانهم الإسرائيليين، بطريقة تذكر بتحضير المحافظين الجدد لغزو العراق – قبل وصولهم إلى السلطة -، وما رافقه من اشتغال على تأمين الشروط الديبلوماسية والسياسية والإعلامية لتسويغ خوض الحرب باعتبارها ضرورة حيوية للحفاظ على أمن العالم أجمع وسلامته. تخللت هذا التحضير مسرحيات زيارات مفاجئة لمفتشي «الوكالة الدولية للطاقة النووية»، وجلهم من عملاء المخابرات الإسرائيلية والأميركية، لمواقع عراقية عسكرية، وافتعال إشكالات خلالها للتأكيد أن لدى العراق ما يخفيه، وتحديداً أسلحة دمار شامل.

كل جولات المفاوضات الأخيرة التي انعقدت بين إيران والولايات المتحدة، كانت جزءاً لا يتجزأ من عملية الإعداد للعدوان. أسهمت في تلك العملية أيضاً «الوكالة الدولية» نفسها، التي لم تكتف بالتشكيك في تعاون إيران معها، بل قامت بكشف هويات العلماء النوويين الإيرانيين، الذين التقوا مسؤوليها وفرق مفتشيها أثناء زياراتهم لإيران، للمخابرات الإسرائيلية والأميركية. أقل ما يمكن قوله اليوم هو إن العدوان لم يحقق أهدافه؛ ولذلك، هو مرشح للاستمرار، وإن بسبل وأساليب هجينة ومختلفة، وربما للعودة إلى المجابهة المباشرة في مراحل أخرى.

مساعدة إسرائيل لجعلها قوة مهيمنة على الإقليم، هو ما يحدو بترامب إلى شن هذه الحرب على الدولة الوحيدة التي تتصدى مباشرة لمثل ذلك المسعى. وهنا، ينبغي الالتفات إلى ما يصدر عن الرئيس الأخرق في لحظات تخل، كالكلام الذي تفوه به في بداية عهده، واعتبر فيه أن حدود إسرائيل ضيقة جداً. غير أن أسباباً أميركية صرفة تفسر أيضاً قراره بالعدوان على إيران، عنوانه أن هناك صلة عضوية بين الولايات المتحدة والحرب.

أي مراجعة سريعة لنشأة هذا الكيان الاستيطاني الإحلالي الكبير، الذي لا تعسف في تسميته «إسرائيل الكبيرة»، ستفيد بأنه تشكل عبر حرب إبادة مديدة للسكان الأصليين، وتوسع عبر غزو دول مجاورة له، كالمكسيك، وضم جزء من أراضيها إليه، وأخرى هيمن على كل أراضيها، كما حصل مع بورتوريكو، قبل أن يتحول إلى قوة دولية عبر شن الحروب المباشرة أو بالوكالة، على بلدان جنوب العالم بغية التحكم في مصائرها وثرواتها.

«العظمة» الأميركية هي نتاج حصري للحرب أولاً. عندما يتحدث ترامب عن «استعادة العظمة»، فهو يعني بالضرورة، من بين أمور أخرى، اللجوء إلى الحرب. قد يقول قائل إن جميع الدول، خاصةً تلك التي أضحت إمبراطوريات، لجأت إلى الحرب، وإن المقاربة الأكثر وجاهة لتاريخ صيرورة الدول، هي التي اعتمدها عالم الاجتماع، تشارلز تيلي، في نصه المرجعي: «شن الحروب وصناعة الدول كجريمة منظمة» (War Making and State Making as Organized Crime).

ذلك بلا شك صحيح، لكننا في الحالة الأميركية نرى تكثيفاً واختصاراً لمثل هذا التاريخ. منذ الحرب العالمية الثانية، بنت واشنطن مجدها وازدهارها على جماجم شعوب جنوب الكوكب وأشلائها، وبشكل خاص، بعد نهاية الثنائية القطبية، على حساب شعوب منطقتنا. إذا نظرنا إلى صيرورة الإمبراطورية الاستيطانية الكبرى من منظور التاريخ العالمي، وليس من منظور التاريخ الغربي، سنجد أنها أكثر القوى عتوًا وإجرامًا في التاريخ المعاصر، وهي تتفوق نوعياً على النازية والفاشية، لو كان عدد الضحايا هو المعيار وليس لون بشرتهم. هي ماضية في غيها حتى تحملها أكلافه على التراجع.

مشاركة المقال: