السبت, 28 يونيو 2025 04:24 PM

صابون الغار الحلبي: حرفة عريقة تتحدى الزمن وتنتقل بين الأجيال

صابون الغار الحلبي: حرفة عريقة تتحدى الزمن وتنتقل بين الأجيال

تعتبر صناعة صابون الغار من أقدم الحرف التقليدية في حلب، حيث تمتد جذورها إلى قرون مضت. بدأت كصناعة منزلية تعتمد على الموارد الطبيعية المحلية مثل زيت الزيتون وزيت الغار، ثم تطورت في القرن السابع عشر لتصبح صناعة منظمة في ورش ومصانع تعرف محليًا باسم "المصابن".

ساهم الموقع الجغرافي لمدينة حلب، ومناخها المتوسطي، وتوفر المواد الأولية في ازدهار هذه الصناعة التي حافظت على طابعها اليدوي حتى اليوم. من بين المصابن العاملة، تبرز مصبنة الجبيلي كواحدة من أقدمها، حيث يعود عمر مبناها إلى أكثر من ثمانمئة عام، وقد تحول إلى مصبنة قبل نحو أربعمئة عام.

يدير المصبنة حاليًا هشام الجبيلي، وهو الجيل الثامن من العائلة التي لا تزال تمارس المهنة باستمرار، مثل العديد من العائلات الحلبية الأخرى التي توارثت هذه الصناعة لقرون. يؤكد الجبيلي لمنصة سوريا 24 أن طرق التصنيع بقيت ثابتة تقريبًا، وأن سر النجاح يكمن في الحفاظ على الأسلوب التقليدي والإنتاج اليدوي، دون إضافة أي مواد كيميائية أو صناعية.

تتضمن العملية الإنتاجية عدة مراحل، تبدأ بطبخ الخليط في مرجل كبير لمدة ثلاثة أيام متواصلة، ثم يصب في قاعة واسعة ليتماسك، قبل أن يقطع إلى ألواح ويختم يدويًا بختم المصبنة. بعد ذلك، يترك الصابون في مكان بارد وجاف لمدة تصل إلى ثمانية أشهر حتى يجف تمامًا ويصبح جاهزًا للتسويق.

تتكون تركيبة الصابون الأساسية من زيت الزيتون وزيت الغار والصودا الكاوية والماء، دون أي إضافات كيميائية. يعتبر المناخ الحلبي، بتقلباته الموسمية، عنصرًا مساعدًا في عملية التصنيع، حيث تساهم برودة الشتاء وحرارة الصيف في تخمير وتجفيف الصابون بشكل طبيعي ومتوازن، بحسب الجبيلي.

من جهة أخرى، يشير عبد القادر دانيال، وهو مختص بتصنيع الصابون البارد، إلى أن جودة صابون الغار ترتبط ارتباطًا وثيقًا بنوعية الزيوت المستخدمة. يشرح دانيال لمنصة سوريا 24 مراحل العمل قائلاً: "قبل الدخول في عملية التصنيع، تصفى الزيوت بعناية لضمان خلوها من الشوائب، ثم تخلط بدقة على دورات بطيئة، لتأمين تفاعل مستقر ومنضبط بين المكونات. بعد ذلك، يصب الخليط في قوالب خشبية ويترك ليتماسك قبل التقطيع والختم".

في السياق التجاري، يوضح فراس، وهو أحد تجار المنطقة، أن صابون الجبيلي يحظى بسمعة جيدة في السوق المحلي والخارجي بسبب ثبات الجودة واعتماده على نسب مرتفعة من زيت الغار الطبيعي. ويضيف أن النوع الأكثر رواجًا هو النوع الوسيط الذي يتميز بسعر مناسب وجودة عالية، مما يجعله في متناول فئات واسعة من المستهلكين.

تجسد تجربة مصبنة الجبيلي مثالًا حيًا على قدرة الصناعات التقليدية على الاستمرار والتأقلم رغم الظروف الاقتصادية المتغيرة، بفضل التمسك بالمعايير الحرفية الأصيلة، واعتمادها على موارد محلية وخبرة متراكمة عبر الأجيال. وفي وقت تتزايد فيه الحاجة عالميًا إلى المنتجات الطبيعية، تبرز صناعة صابون الغار في حلب كأحد النماذج التي تجمع بين الأصالة والقيمة المضافة، وتستحق المزيد من الدعم والتوثيق.

مشاركة المقال: