الأحد, 29 يونيو 2025 10:31 PM

مأساة المشردين في دمشق: قصة أحمد الذهبي تكشف عن غياب الرعاية

مأساة المشردين في دمشق: قصة أحمد الذهبي تكشف عن غياب الرعاية

في مشهد يجسد قسوة الظروف، وجد أحمد الذهبي نفسه بلا مأوى، ينام على رصيف في منطقة الميدان بالقرب من مفرق نهر عيشة في قلب دمشق. بعد أربع سنوات من التشرد، يعيش أحمد تحت خيمة متهالكة بالقرب من وسائل النقل، معتمداً على إحسان المارة وسكان الحي لتأمين طعامه. تفاقمت محنته عندما هاجمته كلاب ضالة ومزقت ساقه، مما أثار صدمة وتعاطف من حوله.

أبو اليمان، أحد سكان المنطقة، يروي كيف سارع لإنقاذ أحمد بعد أن رآه في حالة يرثى لها، قائلاً: "كان أحد زملائنا في العمل يمر من هناك دائمًا، وذات مرة عرض عليه مالًا، فرفض وطلب بدلًا منه دواءً مضادًا للالتهاب من أجل قدمه المصابة. وقتها كان لا يزال قادرًا على المشي، لكن حالته ساءت بسرعة. شعرنا أنه قد يموت خلال يوم أو يومين إذا لم يُسعف فورًا".

صور التقطتها "سوريا 24" أظهرت تدهورًا حادًا في الحالة الصحية لـ أحمد، مع التهابات شديدة في ساقه، مما يعكس المأساة التي يعيشها العديد من المشردين الذين يفتقرون إلى المأوى والرعاية.

واقع مأساوي بلا مراكز إيواء فعالة

الدكتور محمد الأكتع، رئيس الجاهزية في أحد مشافي دمشق وأخصائي جراحة عظمية، صرح لـ "سوريا 24" بأن غياب آليات رعاية فعالة للمشردين بعد دخولهم المستشفى يزيد من تفاقم الأزمة، وأضاف: "كان هناك مركز لإيواء المشردين في الكسوة، ولكن بعد سنوات الحرب، لا نعلم إن كان لا يزال يعمل. النظام المعمول به يقتضي أن يتم رفع كتاب للنائب العام بعد انتهاء علاج المريض، ليُحوّل لاحقًا إلى وزارة الشؤون الاجتماعية. لكن هذا لم يعد يحدث كما في السابق".

وأكد الأكتع أن مشافي العاصمة لا تستقبل الحالات التي لا ترافقها جهة ضامنة أو أفراد من العائلة، خاصة في الحالات التي تتطلب متابعة علاجية أو عمليات جراحية تستلزم توفير أدوية ومستلزمات على نفقة شخصية. وأضاف: "في إحدى الحالات، اضطر طاقم المستشفى إلى التكفل شخصيًا بشراء الأدوية والمستلزمات لأحد المرضى المشردين الذي لم يكن يملك شيئًا. وللأسف، بعد أيام توفي هذا الشخص داخل المستشفى".

ويتابع: "خلال الفترة الأخيرة، وصلتنا حالتان أخريان؛ الأولى لسيدة مسنّة مصابة بالسكري وكانت بحاجة لبتر، ولم تستقبلها أي مشفى أخرى لعدم وجود مرافق معها. أما الثانية، فكانت لرجل يُشتبه بتعاطيه مواد مخدرة، تواصلنا بشأنه مع مراكز علاج الإدمان، وأدخلناه المشفى وجرى توفير الرعاية له بما توفر لدينا".

قصور في التنسيق بين الجهات المعنية

يشير الدكتور الأكتع إلى أن المشكلة الأكبر تكمن في غياب جهة رسمية تتولى مسؤولية الرعاية اللاحقة، مضيفًا: "الدفاع المدني والهلال الأحمر أحيانًا ينقلون هذه الحالات، لكننا بحاجة لتنسيق مباشر مسبق معهم، لأن المشافي غير قادرة على احتواء أعداد كبيرة من المرضى المشردين الذين يحتاجون إلى رعاية نفسية واجتماعية وطبية متكاملة. بعض هؤلاء يعانون من إعاقات أو اضطرابات عقلية، وتتطلب حالاتهم متابعات خاصة لا يمكن توفيرها داخل المشفى فقط".

خطة حكومية لكن التحديات مستمرة

من جانبها، أكدت خزامة النجاد، رئيسة مكتب مكافحة التسول في وزارة الشؤون الاجتماعية، في حديث خاص لـ "سوريا 24"، أن الوزارة تعمل حاليًا على خطة متكاملة بالتعاون مع وزارات الداخلية، العدل، الصحة، التربية، الأوقاف، الإدارة المحلية، ومنظمات غير حكومية، لتأهيل مراكز جديدة تستقبل المتسولين والمشردين، وتقديم دورات مهنية داخل تلك المراكز تتيح للمستفيدين العمل بعد التأهيل، إلى جانب الدعم النفسي والصحي.

وقالت النجاد: "في حال تم ضبط طفل متسول، وكان له أهل، يُسلّم إلى مركز رعاية لمدة ستة أشهر لدراسة أوضاع الأسرة وتأهيل الطفل، وبعدها يُعاد تسليمه لأسرته إن كانت مؤهلة. أما المشردون، فيُسلّمون إلى مراكز رعاية يُحاول العاملون فيها البحث عن ذويهم، وإذا تعذر ذلك، يتم إبقاؤهم في المركز إقامة دائمة".

وأوضحت أن الوزارة ترعى حاليًا نحو 210 حالات موزعة بين مراكز رعاية وجمعيات متخصصة، من بينها 10 حالات في "دار تشغيل المتسولين والمشردين"، معظمهم من ذوي الإعاقات، و54 حالة في مؤسسة حقوق الطفل للإناث في باب مصلى، و58 حالة للذكور في قدسيا.

وتختم النجاد: "نواجه صعوبات كبيرة في التعامل مع المشردين الذين يعانون من إعاقات نفسية أو عقلية. هؤلاء يحتاجون إلى مراكز طبية متخصصة للعلاج، وهو ما يتجاوز طاقات مؤسسات الرعاية الحالية. لكننا نسعى لتأهيل المراكز الحالية وزيادة طاقتها الاستيعابية لتلبية هذه الحاجة الملحة".

حالة أحمد الذهبي ليست استثناءً، بل واحدة من عشرات الحالات التي تتكرر يوميًا في شوارع دمشق وريفها، حيث يُترك المشردون لمصيرهم دون رعاية صحية أو اجتماعية تضمن لهم الحد الأدنى من الكرامة. وبينما يُبتر جسد أحمد اليوم نتيجة الإهمال والتشرد، تبقى الحاجة ملحّة إلى تفعيل منظومة حماية شاملة، لا تكتفي بترقيع الأزمات، بل تبدأ من الشارع وتنتهي بكرامة الإنسان.

مشاركة المقال: