دلسوز يوسف – الحسكة
على الطريق الرئيسي الذي يعبر بلدة زركان (أبو راسين)، الواقعة شمال مدينة الحسكة في شمال شرق سوريا، يقف جميل العطيوي، وهو في العقد الخامس من عمره، أمام متجره الصغير لبيع الخضار والفواكه. يسترجع العطيوي بحسرة ذكريات الأيام التي كانت فيها بلدته تعج بالحياة، قبل أن يدمرها القصف ويشتت سكانها.
على مر السنوات الماضية، تسبب قصف الجيش التركي والفصائل الموالية له، المتمركزة على أطراف البلدة، في دمار واسع النطاق، مما أجبر غالبية السكان على النزوح، وذلك في أعقاب سيطرة تركيا على منطقة سري كانيه/ رأس العين، التي تبعد حوالي 35 كيلومترًا غرب بلدة زركان.
جمود اقتصادي
يقول العطيوي، وهو يراقب حركة المرور الخفيفة: "بعد الظهر، تكاد الشوارع تكون خالية، بعد أن اضطر معظم السكان إلى النزوح بسبب القصف التركي الذي تعرضت له البلدة."
بعد اتفاق العاشر من آذار/مارس الماضي بين القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، والرئيس السوري أحمد الشرع، والذي نص على وقف إطلاق النار، بدأت الحياة تعود تدريجياً إلى البلدة. وتعتبر وكالة "نورث برس" أول وسيلة إعلامية تدخل البلدة بعد توقف القصف، حيث تظهر آثار الدمار بوضوح في شوارعها، مع انخفاض كبير في عدد السكان، خاصة في الأحياء الغربية التي تعرضت لأكبر قدر من الدمار، بما في ذلك منزل العطيوي.
ويضيف العطيوي لنورث برس: "انهارت أسقف معظم المنازل في حينا، بما في ذلك منزلي، بعد أن أصابتها القذائف."
ويتذكر الرجل الخمسيني، الذي انتقل للعيش في الأحياء الشرقية، لحظات القصف قائلاً: "في إحدى الليالي الشتوية، بينما كنا نتسامر، سقطت قذيفة على منزلي. هربنا ولم أتمكن من رؤيته إلا في اليوم التالي، ومنذ ذلك الحين لم أعد إلى الحي، فقد أثرت فينا المشاهد المؤلمة كثيرًا."
ويضيف: "أثناء القصف، كنا نضطر للاختباء داخل المنازل أو في الملاجئ. لقد اعتدنا على هذا الوضع للأسف."
على الرغم من عودة الهدوء إلى البلدة، إلا أن الركود الاقتصادي لا يزال يؤرق السكان المتبقين، ويتضح ذلك في ضعف حركة الأسواق. ويشير العطيوي إلى انخفاض كبير في النشاط التجاري، مضيفًا: "انخفضت المبيعات إلى النصف، والوضع الاقتصادي أصبح صعبًا للغاية. كنا نعيش حياة مريحة نسبيًا، أما اليوم، فشراء دجاجة مرة واحدة في الأسبوع أصبح تحديًا."
دمار البنية التحتية
من جانبه، يقدر أحمد شتيوي (70 عامًا)، أحد سكان البلدة، حجم الأضرار التي لحقت بزركان بنحو 30 بالمائة، مشيرًا إلى دمار واسع النطاق طال المنازل والبنية التحتية، وعلى رأسها شبكة الكهرباء التي خرجت بالكامل عن الخدمة، مما اضطر السكان إلى الاعتماد على مولدات تعمل بالديزل.
ويضيف شتيوي: "نصف سكان البلدة ما زالوا نازحين، بعضهم في المخيمات وآخرون في منازل مستأجرة، لأن العودة إلى ديارهم غير ممكنة حاليًا نظرًا لعدم توفر الإمكانيات اللازمة للترميم أو إعادة البناء."
على الرغم من هذه الظروف القاسية، لا تزال الآمال معلقة على استمرار الهدوء وعودة الحياة إلى طبيعتها، وعودة المهجرين إلى أرضهم. ومع بدء تعافي زركان تدريجياً، باشرت بعض المؤسسات الخدمية أعمالها ببطء، مما يمنح السكان بارقة أمل في تحسن الأوضاع خلال الفترة المقبلة.
ويقول عزالدين عبدو، أحد أصحاب المتاجر الذين نزحوا إلى مدينة الدرباسية المجاورة شرقاً، إنه يزور زركان يومياً لمتابعة عمله، مضيفاً: "الحركة التجارية لا تتجاوز 25 بالمائة مما كانت عليه قبل القصف، والخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه لا تزال شبه معدومة."
ويضيف: "القصف غير معالم البلدة كلياً، الشوارع شبه خالية، والكثير من المباني مدمرة"، مشيراً إلى أن عدد سكان زركان تراجع من أكثر من خمسة آلاف نسمة قبل القصف إلى نحو ألف حالياً.
وفي ظل هذا الواقع المؤلم، تظل بلدة زركان شاهدة على حجم المعاناة التي خلفها القصف، لكنها أيضاً تُمثل رمزاً لصمود سكانها وتمسكهم بالأمل، فرغم الدمار والنزوح وتدهور الخدمات، لا تزال هناك إرادة للحياة تنبض بين أنقاض المنازل، ويتطلع سكانها إلى دعم فعلي يسرّع وتيرة الإعمار ويضمن عودة آمنة وكريمة للنازحين.
تحرير: خلف معو