الإثنين, 30 يونيو 2025 09:10 PM

كيف تواجه "الصحافة التفسيرية" التشتت المعرفي في سوريا؟

كيف تواجه "الصحافة التفسيرية" التشتت المعرفي في سوريا؟

قبل عام 2011، كان السوريون يتلقون المعلومات حول الشأن العام من خلال منظور السلطة، حيث غابت الأحزاب السياسية والأنشطة المدنية والمنظمات المستقلة، وكانت القضايا المصيرية محظورة من النقد. بعد عام 2011 وحتى نهاية عام 2025، تحول اهتمام الشارع السوري إلى الخلاص الشخصي والتفاصيل الاقتصادية الملحة مثل الخبز والمحروقات وطوابير الانتظار، بعيدًا عن توجهات السلطة وخططها السياسية.

بعد سقوط النظام في كانون الأول 2024، انخرط معظم السوريين في الشأن العام، وسط تحول تاريخي وتدفق هائل للمعلومات. خلال الأشهر الستة الماضية، ظهر تشتت واضح لدى الجمهور تجاه الشأن العام، وذلك لعدة أسباب:

  • نشوء جيل جديد، يطلق عليه جيل الحرب، يفتقر إلى المعرفة بعمل المؤسسات وقضايا الشأن العام.
  • وجود نزاعات وثنائيات ناتجة عن عدم فهم التركيبة الفكرية والاجتماعية والثقافية للآخر.
  • حاجة الدولة إلى ثورة في القوانين والتشريعات.
  • ضعف الكوادر والخبرات المتخصصة.
  • الظروف السياسية والاقتصادية المعقدة والمتشابكة داخليًا.
  • ظهور ظروف سياسية جديدة على مستوى المنطقة.

هذه البيئة المشتتة، مع الظواهر الناشئة وقلة المعلومات، تزيد من حاجة الجمهور السوري إلى "الصحافة التفسيرية" التي تقدم معلومات تفصيلية تساعد في الفهم والتحليل، وتسهم في الانخراط الإيجابي في قضايا الشأن العام وتفكيك الثنائيات. يمكن تعريف "الصحافة التفسيرية" بأنها تفسير وتحليل معمق للأحداث والأخبار، يتجاوز التغطية السطحية نحو توفير سياق شامل لفهم الموضوعات بشكل أوسع وأعمق، مع التركيز على الأسباب والنتائج والتداعيات المحتملة.

من خصائصها:

  • التحليل العميق للوقائع والظروف المحيطة لشرح أسبابها وتطوراتها بصورتها الحقيقية والدقيقة.
  • البحث في الخلفيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأحداث، وتقديم رؤى حول المستقبل والتداعيات المحتملة.
  • ربط الأحداث ببعضها لتوضيح العلاقات المتبادلة بينها، لتسهيل عملية فهم الجمهور للسياق الكامل.
  • تنويع المصادر، من الدراسات والأبحاث والخبراء إلى المصادر الحكومية الرسمية والمنظمات.
  • الحياد والموضوعية عبر تحليلات وآراء مبنية على الحقائق والمعلومات.

تكتسب الصحافة التفسيرية أهميتها من مساعدتها للجمهور على فهم الأحداث المعقدة بشكل أعمق وأوضح، وتوعية الناس بالقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة، ومساعدتهم في بناء التوجهات واتخاذ قرارات مستنيرة. كما تسهم في مكافحة التضليل الإعلامي والأخبار المغلوطة والزائفة، وتشجع التفاعل والنقاشات المفتوحة حول قضايا الشأن العام وبناء قاعدة معرفية مشتركة بين مختلف فئات المجتمع.

في قضية مثل العدالة الانتقالية والمخاوف من الانتقام، يمكن للصحافة التفسيرية أن تشرح الأبعاد الاجتماعية لتأخر إجراءات العدالة الانتقالية، أو أسباب هذا التأخر وظروفه الموضوعية، وكذلك مخاطر الانتقام التي تتجاوز المنتقمين إلى المجتمع بشكل عام، والظروف النفسية للضحايا الأحياء أو ذوي الضحايا الذين قُتلوا تحت التعذيب أو بعمليات القصف. فهم المجتمع لأبعاد مسألة العدالة الانتقالية وحاجاتها القانونية، وكذلك خطر تجاهلها من قبل صانعي القرار، يمكن أن تقوم به "الصحافة التفسيرية".

يجب أن يتحلى الصحفيون ووسائل الإعلام بأكبر قدر من المسؤولية في هذا النمط الإعلامي. في الجانب التقني، لم يعد ممكنًا الوصول إلى كثير من الشرائح، خصوصًا مع وجود جيل عاش ويلات الحرب دون تعليم، أو فئات ابتعدت فترات طويلة عن الشأن العام، وهذا يتطلب استخدام منصات التواصل الاجتماعي الأكثر رواجًا، وبطرق مبتكرة للوصول إلى شرائح واسعة من الجمهور.

وللحديث بقية.

مشاركة المقال: