الثلاثاء, 1 يوليو 2025 05:08 AM

الفوسفات السوري: قفزة في الصادرات وتطلعات لإنتاج 10 ملايين طن سنوياً

الفوسفات السوري: قفزة في الصادرات وتطلعات لإنتاج 10 ملايين طن سنوياً

عنب بلدي – جنى العيسى – خلال ثلاثة أشهر، قامت الحكومة السورية بتصدير تسع بواخر محملة بالفوسفات السوري إلى وجهات مختلفة وبأحجام متفاوتة، مما يعكس تحسناً ملحوظاً في تصدير هذا المورد الاستراتيجي بعد الأزمة. في 22 نيسان الماضي، انطلقت أول باخرة فوسفات سوري من مرفأ طرطوس محملة بـ 10,000 طن، بينما غادرت الشحنة التاسعة المرفأ بحمولة وصلت إلى 38,500 طن في 26 حزيران الحالي. ووفقاً لتصريح مدير العلاقات العامة في "الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية" في سوريا، مازن علوش، لعنب بلدي، فإن إجمالي حمولة الشحنات التسع التي تم تصديرها يبلغ حوالي 180,000 طن.

أوضح علوش أن الدول المستوردة للفوسفات هي مصر ورومانيا وتركيا وكازاخستان والهند، ويتم التصدير بموجب اتفاقيات تعاون وعقود تصدير مبرمة مع شركات دولية متخصصة في استيراد الفوسفات الخام، مع السعي لتوسيع نطاق التصدير إلى أسواق جديدة.

تصدير مباشر دون وسطاء

تتم عملية تصدير الفوسفات السوري من خلال عقود رسمية بين "المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية" في وزارة الطاقة، بصفتها الجهة السورية المالكة للمادة، وشركات أجنبية تتولى الاستيراد، ويتم التنفيذ عبر شركات شحن معتمدة، ووفقاً لتنظيم جمركي رسمي في مرفأ طرطوس. وأكد مازن علوش أن هذه العمليات لا تتم عبر وسطاء خاصين داخل سوريا، بل من خلال قنوات حكومية أو مرخصة أصولاً.

توزعت الكميات المصدرة على دفعات زمنية متقاربة حسب الجاهزية اللوجستية في مرفأ التصدير وخطط التسويق الخارجية. وأشار مدير العلاقات العامة في "هيئة المنافذ" إلى أن الفوسفات المصدر يستخرج من مناجم ريف حمص، ثم ينقل إلى مرفأ طرطوس لتجهيزه وإتمام إجراءات تصديره، بالتنسيق بين "الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية" والجهات المعنية.

سوريا خامس مصدّر عالمي قبل 2011

حتى عام 2011، كانت سوريا تحتل المرتبة الخامسة عالمياً في تصدير الفوسفات، ويعتبر خام الفوسفات ثاني أهم مورد اقتصادي واستراتيجي في سوريا بعد النفط والغاز الطبيعي. وعلى الرغم من التطور في عمليات الاستكشاف والإنتاج، إلا أنها لا تزال دون المستوى المطلوب، حيث يقدر الاحتياطي الموثوق به بملياري طن، بينما الإنتاج السنوي لا يتجاوز 3.5 مليون طن، وفقاً لدراسة للباحث الاقتصادي سقراط العلو نشرت عام 2018.

يتوزع خام الفوسفات في سوريا على مناطق السلسلة التدمرية (خنيفيس والشرقية والرخيم)، ومنطقة الحماد (الجفيفة والثليثاوات والسيجري والحباري)، والمنطقة الساحلية (عين ليلون وعين التينة وقلعة المهالبة وحمام القراحلة).

تعتبر مناجم السلسلة التدمرية، وخاصة خنيفيس والشرقية، الأكثر أهمية وجدوى اقتصادية، حيث تتراوح سماكة طبقة الفوسفات بين 10 و 12 متراً وقد تصل إلى 20 متراً في منطقة الشرقية، وتبلغ نسبة خامس أكسيد الفوسفور فيها 28-34%، بينما لا تتجاوز في الفوسفات المستخرج من باقي النقاط 18-22%. بعد عام 2011، انخفض إنتاج وتصدير الفوسفات بسبب الحرب، كما كان الفوسفات جزءاً من صراع أوسع بين روسيا وإيران.

خطة لإنتاج 10 ملايين طن

أفاد مدير عام المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية، سراج الحريري، في تصريح لموقع "الطاقة"، أن وزارة الطاقة تعمل على خطة لتصدير 6 ملايين طن سنوياً حتى نهاية عام 2026، ثم الوصول إلى 10 ملايين طن في 2027، مع التركيز على الأسواق الأوروبية والآسيوية، وخاصة الصين والهند. وأشار الحريري إلى أن تفعيل نظام "سويفت" ورفع العقوبات يمكن أن يحول الفوسفات السوري إلى منتج منافس عالمياً.

الفوسفات طوق نجاة للاقتصاد

يرى الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو أن قطاع الفوسفات يمثل فرصة استراتيجية لسوريا، خاصة في ظل البحث عن مصادر تمويل بديلة. وأضاف شعبو لعنب بلدي أن الفوسفات يدخل في صناعة الأسمدة الزراعية، وهي سلعة مطلوبة عالمياً، مما يمنح سوريا فرصة تصديرية قوية تساهم في دعم ميزان المدفوعات.

"قد يكون الفوسفات أحد أطواق النجاة للاقتصاد السوري الذي يجب استغلاله بشكل جيد وشفافية عالية، حتى يكون رافدًا مهمًا لخزينة الدولة، بعيدًا عما كان يجري في السابق من تنازلات لبعض الدول بغاية استمرارية الحكم، بل يجب أن يحقق القطاع مصلحة للدولة والمواطن على حد سواء، وفق تعاقدات مبنية على أسس سليمة."

فراس شعبو

خبير اقتصادي ومالي

لكن شعبو يرى أن الأمر يتطلب ترتيبات غير متوفرة حالياً، مثل البنية التحتية وشركات الشحن، بالإضافة إلى غياب السيطرة الكاملة على مناجم الفوسفات. ويشير إلى أن جزءاً كبيراً من مناطق الفوسفات في المنطقة الوسطى ينشط فيها تنظيم "الدولة الإسلامية"، مما يمثل تحدياً أمنياً. كما أن ضعف البنية التحتية في قطاع النقل قد يعيق وصول الفوسفات إلى المرفأ.

يعتقد الدكتور فراس شعبو أن سوريا بحاجة لشركات أجنبية لإدارة وتطوير المناجم، ولسياسة شفافة تضمن حوكمة الموارد الطبيعية.

توصيات

خلص تحليل معمق لقطاع الفوسفات في سوريا حتى عام 2025 إلى أن القطاع يواجه تحديات كبيرة بسبب الصراع والعقوبات، ولكنه يمتلك إمكانات هائلة. ويوصي التحليل بتحقيق الاستقرار السياسي وجذب الاستثمارات الأجنبية لإعادة تأهيل البنية التحتية وتحديث عمليات الإنتاج والنقل. كما يدعو الحكومة السورية والجهات المعنية إلى تطوير استراتيجيات لتوسيع الأسواق التصديرية واستكشاف فرص جديدة لاستخدام الفوسفات، وتبني ممارسات مستدامة وصديقة للبيئة.

ويشير التقرير إلى أن قطاع الفوسفات يمكن أن يلعب دوراً محورياً في إعادة بناء الاقتصاد السوري وتحقيق التنمية المستدامة على المدى الطويل.

مشاركة المقال: