تشكل مخلفات الحرب، من قنابل عنقودية وقذائف غير منفجرة، خطرًا دائمًا يهدد حياة المدنيين في ريف حمص الشمالي، وخاصةً المزارعين والأطفال. تحولت الأراضي الزراعية والمناطق السكنية إلى حقول ألغام غير مرئية، مما تسبب في إصابات خطيرة ووفيات بين السكان على مر السنين، مما يعكس حجم الكارثة الإنسانية المستمرة التي تؤثر على المجتمع المحلي.
أصبحت مساحات واسعة من الريف الشمالي ملوثة بالمخلفات الحربية، مما يجعل الحياة اليومية محفوفة بالمخاطر، خاصةً مع عدم القدرة على تطهير هذه الأراضي بشكل كامل وفوري.
المزارعون بين الحاجة والخطر
يعيش المزارعون في قرى ريف حمص الشمالي في قلق مستمر بسبب انتشار المخلفات الحربية في أراضيهم، والتي قد تنفجر أثناء أعمال الحراثة أو الزراعة أو الحصاد. تتسبب هذه الانفجارات في إصابات خطيرة، مثل الكسور وفقدان الأطراف، أو حتى الوفاة، مما يؤدي إلى عواقب صحية واقتصادية وخيمة على الأسر والمجتمع.
أكد أحمد حاميش، أحد سكان قرية تسنين، أن المشكلة كبيرة جدًا، مشيرًا إلى أن القنابل والقذائف منتشرة في الأراضي الزراعية وبين المنازل، مما يشكل خطرًا كبيرًا على الأطفال والمزارعين، خاصةً من مخلفات الحرب مثل القنابل العنقودية والقذائف.
وأضاف حاميش، الناشط في المجال الخدمي، أن الناس أصبحوا خائفين من دخول أراضيهم، والبعض توقف عن الزراعة تمامًا خوفًا من انفجار هذه المخلفات، مما يزيد من الأزمة الاقتصادية في منطقة تعتمد على الزراعة كمصدر أساسي للرزق.
الأطفال تحت رحمة الخطر
الأطفال هم الأكثر عرضة للخطر بسبب فضولهم وقلة وعيهم بالمخاطر المحيطة بهم. غالبًا ما يخطئ الأطفال في تمييز القنابل الصغيرة أو الذخائر غير المنفجرة ويعتبرونها ألعابًا، مما يؤدي إلى انفجارات مأساوية تنهي حياتهم أو تسبب لهم إعاقات دائمة.
قال عدنان هدلة، أحد سكان الريف الشمالي لحمص، إنهم يعانون من انتشار مخلفات الحرب بين الأراضي الزراعية والمنازل، وخاصة في قرية تسنين، معربًا عن مخاوفه من العمل في الأراضي الزراعية ومن إعادة ترميم المنازل، وخاصة على حياة الأطفال.
أكد الأهالي أن عددًا من الأطفال تعرضوا لإصابات خطيرة نتيجة التعامل مع هذه المخلفات، مما يسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى برامج توعية مكثفة تستهدف الأطفال وأولياء أمورهم.
تحديات تواجه جهود التطهير
على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الجهات المختصة، إلا أن حجم المشكلة يتجاوز القدرات المتاحة. تواجه الفرق المعنية بإزالة الألغام عدة تحديات رئيسية:
- الكم الهائل من المخلفات: المنطقة تعاني من تلوث متعدد الأنواع، بما في ذلك القنابل العنقودية والقذائف غير المنفجرة والمتفجرات الأخرى.
- نقص التمويل والمعدات: هناك نقص واضح في الموارد المالية والمعدات الحديثة اللازمة لعمليات التطهير.
- صعوبة الوصول: بعض المناطق تقع في مناطق وعرة أو ما زالت تعاني من بيئة أمنية غير مستقرة.
- المخاطر على الفرق الميدانية: يتعرض العاملون في مجال إزالة الألغام لمخاطر كبيرة أثناء أداء مهامهم.
أفاد ربيع جندية، مدير مديرية الدفاع المدني السوري في حمص، بأنه لا توجد إحصائية خاصة بمحافظة حمص لضحايا الألغام أو مخلفات الحرب. لكنه أكد أن فرق الدفاع المدني السوري استجابت منذ بداية العام وحتى نهاية شهر حزيران/يونيو الماضي لـ 90 انفجارًا لمخلفات حرب والألغام في المناطق السورية، مما تسبب في مقتل 80 مدنيًا وإصابة 134 آخرين بجروح، منها حالات خطرة.
حاجة ملحة لتدخل دولي وحلول شاملة
يحتاج حل هذه الأزمة، وفقًا لما ذكره حاميش (من سكان قرية تسنين)، إلى استجابة عاجلة ومتعددة الأبعاد، تتضمن:
- زيادة الدعم الدولي: يجب على المجتمع الدولي تقديم دعم مالي ولوجستي أكبر للجهود المحلية لإزالة المخلفات الحربية.
- تعزيز برامج التوعية: تنفيذ حملات توعية مكثفة تستهدف الأطفال والمزارعين حول كيفية التعرف على المخلفات والحصول على السلامة الشخصية.
- إجراء مسوحات دقيقة: العمل على توثيق جميع المناطق الملوثة لتسهيل عمليات التطهير والتنظيف.
- دعم الرعاية الصحية: توفير خدمات طبية ونفسية للمصابين لمساعدتهم على التعافي والاندماج المجتمعي.
- تعزيز التنسيق: تقوية التعاون بين المنظمات الإنسانية المحلية والدولية والجهات الحكومية لضمان استجابة أكثر فاعلية.
مسؤولية إنسانية مشتركة
تبقى مخلفات الحرب في ريف حمص الشمالي تهديدًا دائمًا للسكان. حماية الأطفال والمزارعين من هذا الخطر المستمر ليست فقط مسؤولية محلية، بل هي مسؤولية إنسانية مشتركة تتطلب تدخلًا عاجلاً ومبادرات مستدامة من قبل المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية. ومع استمرار انتظار المساعدة، يعيش سكان ريف حمص الشمالي تحت رحمة تهديد خفي لا يرحم، ويتطلب من الجميع تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والإنسانية.