الأربعاء, 9 يوليو 2025 03:36 AM

دلالات الأسماء: كيف تعكس هويتنا وتصوراتنا عن الآخرين؟

دلالات الأسماء: كيف تعكس هويتنا وتصوراتنا عن الآخرين؟

يُقال إن لكل شخص نصيبًا من اسمه، وكأن الاسم يرتبط بصاحبه برابط خفي، بذكرياته، وأسلوب حديثه، وأفكاره، ومشاعره تجاه نفسه وتجاه الآخرين. العديد من شعراء العرب حملوا ألقابًا، بعضها جميل وغريب، التصقت بهم حتى أصبحت جزءًا لا يتجزأ منهم.

يروي أبو فرج الأصفهاني في "الأغاني" أن الشاعر (تأبطّ شراً)، واسمه الحقيقي ثابت بن جابر، اشتهر بلقبه "تأبّطَ شرّاً" حتى بعد وفاته. والسبب في ذلك أن أمه طلبت منه أن يأتيها بهدية كإخوته، فأحضر لها جرابًا تحت إبطه، وعندما فتحته، خرجت منه أفاعٍ. فسألت نساء الحي الأم: "بماذا أتاكِ ثابتٌ؟" فأجابت: "لقد تأبطّ شرّاً…إنها أفاعٍ في جِراب!"

عندما التقى (تأبطَ شرّاً) برجل دميم ضئيل من بني ثقيف يُدعى (أبو وهب)، سأله الأخير: "بما تغلِبُ أعداءَكَ؟" فأجاب: "بإسمي، إنما أقولُه لهم فتنخلعُ قلوبُهم." فسأله الثقيفيّ: "هل تبيعني اسمَك؟" فأجابه ساخرًا بقصيدة:

ألا هل أتى الحسناءَ أنّ حليلَها تأبّطَ شراً واكتنيتُ أبا وَهَبِ

فهَبْهُ تَسمّى اسميَ وسمّاني اسمَه فأينَ له صبري على معظمِ الخَطْبِ

وأينَ له بأسٌ كبأسي وثورتي وأينَ له في كل فادحةٍ قلبي.

بعض الشعوب، بما في ذلك شعوب منطقتنا، تعتقد أن بعض الأسماء لا تناسب الأطفال حديثي الولادة لأن طاقتها السلبية مدمرة لأجسادهم وأرواحهم، وتسبب لهم أمراضًا مزمنة، مما يجبر الأهل على تغييرها كنوع من التحايل على القدر.

من المفهوم تسمية البشر، ولكن بعض الناس يطلقون الأسماء على الخيول العربية الأصيلة، وحتى القطط والكلاب، في محاولة لأنسنتها، وكأن تسميتها تجعلها تفهم مشاعرنا وأفكارنا، أو تنقل لنا أحاسيس ألمها وحزنها وفرحها، ربما لأنها كما جاء في القرآن الكريم "أممٌ أمثالكم".

في رواية "مئة عام من العزلة" للروائي غابرييل غارسيا ماركيز، يروي لنا كيف أن الأم الكبيرة أورسولا في قرية (ماكوندو) كانت قلقة من أن تكرار الأسماء في تاريخ العائلة ينذر بما هو أسوأ من الفرح بولادتهم، فمن كانوا يُدعون بـ(أوريليانو) كانوا منغلقين على أنفسهم، ثاقبي الفكر، ومن كانوا يُدعون خوسيه أركاديو كانوا نزقين جسورين، لكنهم موسومون بسمةٍ مأساوية.

ولأن كل العالم في تلك القرية هو عالمٌ من دلالات خرافية، عالمٌ يتفلّت منهم كتسرّب الذاكرة، عالمٌ أصيبَ بداء الأرق العجيب الذي أنساهم معاني الأسماء والأشياء من حولهم، فقد بدؤوا يسجّلون بالحبر أسماءَ كل شيء ويلصقونه عليه: طاولة، كرسي، ساعة، بقرة، دجاجة، تيس…إلخ لكن مع احتمالات النسيان المتزايدة بازدياد الأرق وعدم النوم، أصبحوا يدوّنون بطاقاتٍ توضيحية يعلقونها حول أعناق الحيوانات لحفظ المشاعر والأفكار المتعلقة بهذا الشيء أو ذاك: "هذه بقرة، البقرة يجب حلبها كل صباح كي تعطي حليباً، ويجب غلي الحليب من أجل مزجه مع القهوة…"

بينما جعلَ الروائي أورهان باموق حتى الحيوانات والجمادات تنطق في روايته المذهلة "اسمي أحمر"، بحيلةٍ روائيةٍ ساحرة (حيلةٌ مقتبسة ربما من سلفه الروائي العظيم سرفانتس في قصته "حديثُ كلبين") جعلها باموق تروي لنا الحياة من منظورها، كما لو أنها تتألم وتحزن وتغضب وتصرخ، بل تتحدث عنّا نحن البشر وعن شفقتها علينا أو كرهها لنا وبؤس حياتها معنا. إذ تشكلت كل مقاطع الرواية من عناوين على شكل: اسمي شكّورة، اسمي فراشة، اسمي قاتل، اسمي نقود، اسمي كلب، اسمي أحمر، …إلخ ، وصرنا أمام عوالم بقدر ما هي خرافية؛ بقدر ما تجعلنا نعيد التفكير كما لو كنا نحن هي تلك الأشياء.

أحسبُ أن تذكّر الأشخاص بغير أسمائهم الحقيقية بل بأسماءَ أقربَ إلى ما نحسّه في عيونهم، في موسيقا أصواتهم، أو بحسب ما يتركه حضورهم علينا من هزّةٍ جميلة في المشاعر، أو من تخلخلٍ في كيمياء التواصل معهم … هذه الطريقة الطريفة في تذكر أسماء الناس، ربما هي حيلةٌ جميلةٌ من إبداعات الإنسان في محاولةٍ لخلقِ نوعٍ من الألفة مع من هم عابرون في حياتنا، أو ليقول للآخرين: لا يهمني من تكونون، لا تهمني أسماؤكم ولا من أي دينٍ أنتم…أحترمكم كبشر مثلي، لكم عيونكم التي تبكي، وشفاهكم التي تضحك وقلوبكم التي تختزن آلامكم وأفراحكم، وعقولكم التي تدرك أننا معاً؛ مجرد قشة في مهب الزمن.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: