ليست العلاقة العدائية بين أبناء السلفية الجهادية والتماثيل أو المنحوتات بجديدة، فهم يرونها "أصنامًا تُعبد من دون الله"، ويعتبرون تطهير الأرض منها واجبًا دينيًا ضمن مهمتهم في "إعادة تأهيل" المجتمعات التي تقع تحت سيطرتهم، وتقويمها بما ينسجم مع فهمهم لأوامر الله ونواهيه، وهو فهم متأثر بـ"ابن تيمية" وأمثاله من الأئمة.
يمكن استعراض ثلاث حوادث تم فيها تدمير تماثيل وسط تهليل وتكبير، اقتداءً بإبراهيم الخليل الذي هدم آلهة "النمرود"، وترك كبيرها ليحفز التفكير في عجز هذه الآلهة عن حماية نفسها.
في شباط 2013، وبعد سيطرة "جبهة النصرة" على مدينة معرة النعمان، قامت الجبهة بقطع رأس تمثال الشاعر الفيلسوف "أبو العلاء المعري"، معتبرة ذلك "تحريرًا" للأرض من عبادة غير الله.
وفي نهاية آذار 2015، عقب "تحرير" مدينة إدلب، عمد عناصر "جبهة النصرة" إلى هدم تمثال إبراهيم هنانو، قائد ثورة الشمال ضد الاحتلال الفرنسي، وداسوا رأسه بأقدامهم.
وفي حزيران 2021، اقتحمت مجموعة من المقاتلين "الأوزبك" المرتبطين بـ"هيئة تحرير الشام" متحف إدلب، وحطمت سبعة تماثيل داخل لوحة جدارية، علمًا أن "هيئة تحرير الشام" ادعت نقلها معظم القطع الأثرية الثمينة إلى مكان آمن.
وفي 3 تموز الحالي، انتشر فيديو يصور عملية نقل "نصب الشهداء" من ساحة سعد الله الجابري في حلب، قيل إنها بسبب حجبه الرؤية عن شاشة عملاقة تم تركيبها حديثًا. لكن العملية بدت وكأنها تحطيم متعمد، إذ لا يمكن نقل منحوتة بهذا الحجم بجرها بكبل متصل بشاحنة.
رافق الفيديو تعليق صوتي يقول إن "الإخوة سيزيلون تلك الأصنام التي نحتها المشركون حتى لا تفتن الناس وحتى لا يعبد إلا الله في الأرض"، وهي نفس العبارات التي تتكرر رغم عدم وجود سوري يسجد لصنم.
يرى هؤلاء المتطرفون أنهم وكلاء عن الله، ويملكون الحق في تقويم "اعوجاج" المجتمع، لكن المسألة تتجاوز مجرد هدم تمثال، بل تتعلق بتكريس مفاهيم دينية غريبة على المجتمع السوري، الذي يتعايش مع التعددية الدينية والمذهبية.
المسألة تتعلق بما يراد تكريسه في ذهن المجتمع ومؤسساته، التي يجب أن تدار وفق قوانين لا وفق رؤى فقهية لا صلة لها بالدين أو بالعصر، والإصرار على ذلك سيؤدي إلى فشل في إدارة الدولة وتفكك المجتمع.
السوريون لم يقولوا "اعلُ هبل"، لكن بعضهم كان يعبد الأسد من دون الله، وربما في نفس الساحة التي شهدت تدمير "نصب الشهداء".