كشفت صحيفة "النهار" اللبنانية، استناداً إلى موقع "إنتلجنس" الفرنسي، عن وجود لجنة سرية داخل القصر الجمهوري في دمشق، مهمتها إجراء تسويات مالية مع رجال أعمال بارزين دعموا نظام بشار الأسد. وأشار الموقع إلى أن هذه اللجنة يرأسها شخص يُعرف بلقب "أبو مريم الأسترالي"، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً حول هويته وخلفياته.
وركّزت الصحيفة اللبنانية على احتمال وجود صلة لهذا الشخص بتنظيمات متشددة، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة لإبعاد الأنظار عن حجم الفساد المرتبط بأموال النظام السابق، التي شكلت على مر السنين شبكة مالية معقدة يصعب تفكيكها بسهولة. وفي المقابل، يثار تساؤل حول سبب صمت الحكومة الجديدة تجاه هذا الملف على الرغم من أهميته، خاصة مع استمرار إدارة التسويات خلف الأبواب المغلقة، مما يثير الشكوك حول طبيعة الصفقات التي تُعقد، ومن المستفيد منها.
وفقاً لمعلومات حصل عليها الكاتب من مصادر مطلعة سبق لها الإشراف على أموال بشار الأسد، يتصدر يسار إبراهيم – مدير المكتب الاقتصادي للأسد – قائمة الأسماء التي أدارت هذه الثروات بوسائل وُصفت بـ"الشيطانية"، وهو ما يفسر سعي الحكومة الحالية للتسوية مع كبار رجال الأعمال لتجنب ضياع هذه الأموال بالكامل.
شركات "الأوف شور": أداة النظام للهروب من العقوبات
بدأ ظهور شركات "الأوف شور" في سوريا منذ عام 2012، بعد عام على اندلاع الثورة، حيث استُخدمت كغطاء لغسيل الأموال وتجاوز العقوبات الدولية. وتُمنح تراخيص هذه الشركات بسهولة عبر الإنترنت، دون الحاجة لكشف هوية المالك أو مصدر الأموال، وتوفر إعفاءات ضريبية وسرية مصرفية، خصوصاً عند تسجيلها في بريطانيا أو الولايات المتحدة. وتشير المعلومات إلى تسجيل أكثر من ألف شركة "أوف شور" في سوريا بعد 2011، بدأها رامي مخلوف بشركة نقل بحري، وتبعتها شركات مرتبطة بمسؤولين أمنيين وسياسيين. ويُستخدم أشخاص عاديون بأسماء حقيقية لتسجيل هذه الشركات نيابة عن رجال أعمال معاقَبين دولياً.
أحد الأمثلة البارزة على استخدام "الأوف شور" في العقود الحكومية، مناقصة لشراء 200 ألف طن قمح من روسيا عام 2017، رست على شركة "سيستوس أوف شور"، التي لم تكن تملك السيولة لتنفيذ العقد، فاقترضت 1.7 مليار ليرة سورية من الحكومة، ثم باعت القمح بسعر مرتفع محققة أرباحاً ضخمة.
تحديات مصادرة الشركات.. وتكتيك "التسوية"
أمام هذه الشبكة المعقدة، اصطدمت الحكومة الجديدة بعقبة قانونية: الشركات مُسجّلة خارجياً بأسماء وهمية، يصعب ربطها قانونياً بمالكيها الحقيقيين الخاضعين للعقوبات. بعض هذه الشركات – مثل التي تملّكت مطار دمشق الدولي ومحطة دير علي – تعود ملكيتها لنساء غير معروفتين، رغم سيطرة شخصيات مقرّبة من الأسد عليها فعلياً. قانونيون أكدوا صعوبة مصادرة هذه الأصول، نظراً لتعقيدات القوانين الدولية وتكاليف الملاحقة القضائية. كما أن إغلاقها قد يضر بالاقتصاد، إذ تملك بعضها وظائف حيوية في قطاعات الاتصالات والمصارف. لذا، اختارت الحكومة – وفق مصادر مطلعة – الدخول في مفاوضات سرية مع المالكين الفعليين لإعادة ملكية هذه الشركات للدولة عبر تسويات مالية. من أبرز هذه الحالات، مجمع "جونادا" السياحي في طرطوس، الذي نُقل إلى ملكية الدولة رغم تسجيله باسم خمسة أشخاص غير معروفين.
مليارات الدولارات في الميزان.. وصمت حكومي مثير للشك
تفيد المعلومات المتوفرة أن مفاوضات مشابهة تجري مع أسماء بارزة مثل رامي مخلوف وسامر فوز ويسار إبراهيم، لاسترجاع السيطرة على شركاتهم "الأوف شور" العاملة في سوريا، والتي تُقدّر أصولها بعشرات مليارات الدولارات.
متابعات