السبت, 19 يوليو 2025 08:06 PM

السويداء: أحداث دامية تثير قلق السوريين وتستدعي حلولاً توافقية

السويداء: أحداث دامية تثير قلق السوريين وتستدعي حلولاً توافقية

لم تقتصر تداعيات الأحداث الدامية في “السويداء” على المعارك الميدانية، بل امتدت لتشمل حرباً كلامية وتبادلاً للشتائم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما أوجد بيئة محرضة على العنف وتمجيده، واستعراض بطولات وهمية تتباهى بارتكاب الجرائم وتوثيقها، وتطالب بالمزيد من الدماء.

سناك سوري _ محمد العمر

كان الأجدر بالسوريين استيعاب دروس الماضي، بدءاً من أحداث “مجازر الساحل” في آذار، مروراً بأحداث “جرمانا” و”أشرفية صحنايا” في أيار، وصولاً إلى معركة “السويداء” التي كان بالإمكان تجنبها وحماية البلاد من إراقة المزيد من الدماء. وفي خضم هذه الأجواء، بدأت تظهر روايات متباينة تسعى لتبرير مواقف الأطراف المختلفة وإدانة الآخر، مما يزيد من حدة التوتر.

حصر السلاح بيد الدولة

تحت شعار “حصر السلاح بيد الدولة”، بدأت الحكومة بالتدخل في “السويداء” عقب خلافات وحالات خطف متبادلة بين الفصائل المحلية وعشائر البدو. هذا الشعار يبدو جذاباً ومنطقياً، إذ لا يمكن لدولة أن تنعم بالاستقرار في ظل انتشار السلاح خارج سلطة الدولة، وهو ما أكده عالم الاقتصاد الألماني “ماكس فيبر” في نظريته حول حق الدولة الحصري في الاستخدام “المشروع” للعنف.

من حيث المبدأ، يحق للدولة احتكار العنف، ولكن بشرط أن تتمتع بالشرعية الكافية واعتراف المجتمع بها، وهو ما يتحقق من خلال “عقد اجتماعي” يحظى بموافقة غالبية المجتمع. أما الشرط الثاني، فهو أن يكون العنف “مشروعاً” ومقيّداً بالقانون، وهو ما لم يلتزم به نظام “بشار الأسد” عندما فقد شرعيته مع أول قطرة دم سالت من المتظاهرين.

إن عملية حصر السلاح بيد الدولة يجب أن تتم بالتوافق، وهو ما بدأ قبل أشهر عندما تفاوضت وزارة الدفاع السورية مع فصائل “السويداء” للانضمام إلى صفوفها، لكن هذا المسار تعثر. كما يجب أن يشمل حصر السلاح جميع الأطراف، وليس طرفاً دون آخر بناءً على اعتبارات طائفية، فمثلما تسعى الدولة لسحب سلاح فصائل “السويداء”، يجب عليها أيضاً سحب سلاح “العشائر” وعدم فتح الطريق أمامهم نحو “السويداء” رداً على انتهاكات بحق “البدو”. يجب على الدولة أن تكون حيادية في التعامل مع جميع الأطراف السورية المتنازعة.

معضلة رجال الطوائف

ربما استسهلت السلطة الجديدة التواصل مع السوريين عبر القيادات الدينية، مما أدى إلى تصدر رجال الطوائف المشهد ومنحهم مفاتيح قيادة طوائفهم. وقد برز الدور البارز للرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز على حساب التيارات المدنية في “السويداء”، التي كانت عموداً فقرياً لحراك “السويداء” ضد نظام “الأسد” منذ 2023. أصبح “الهجري” في موقع القيادة دون عناء، وتلقى اتصالات من مسؤولين غربيين للحديث عن ملف “السويداء”، بينما رسخت “دمشق” هذه الصورة له، إذ كان أي اتفاق أو قرار بشأن المحافظة يمر عبره حصراً، مع تهميش المجتمع المدني والنقابات والأحزاب السياسية في “السويداء”، بما في ذلك حادثة على ناشطين سياسيين من المحافظة كانوا في طريقهم إلى “الرقة” للمشاركة في نشاط سياسي، مقابل الاحتفاء بالحوار مع شيوخ العقل والفصائل المحلية كممثلين شبه “حصريين” لأهالي “السويداء”.

لكن “الهجري” لم يكن رجل سياسة، وشعبيته جاءت من دافع طائفي، مما دفعه إلى التعامل مع الأمر من منطلق حماية “الطائفة” مهما كان الثمن، والنظر للمسألة من منظور طائفي وجودي، ما دفعه إلى توجيه نداء علني يطلب فيه من كيان الاحتلال التحرك لإنقاذ “السويداء”. هذه الخطوة منحت فرصة لخصوم “الهجري” لتعزيز سرديتهم بأنه عميل للاحتلال، بينما دافع عنه مؤيدوه بأنه اضطر لذلك بسبب هجوم القوات الحكومية.

المخرج الوحيد لأزمة السويداء

بعد أيام من العنف الدموي، يبدو المشهد واضحاً، فلا يمكن للحكومة المركزية فرض سطوتها العسكرية بالقوة على “السويداء”، ولا يمكن لـ”الهجري” إسقاط النظام أو الاستقلال بـ”السويداء”. الحل الوحيد هو الحوار الجاد الذي يحترم جميع الأطراف ويهدف إلى حل وطني جامع يحمي البلاد من العنف ويرسم خارطة طريق لمستقبلها بناءً على الشراكة والعدالة. لقد أثارت تجربة “السويداء” مخاوف سوريين آخرين، مما يزيد من أهمية أن يكون الحل توافقياً وتشاركياً وقائماً على الحوار لبناء الثقة.

الوسوم

مشاركة المقال: