الثلاثاء, 22 يوليو 2025 07:23 PM

السوريون العالقون في ليبيا: معاناة مستمرة في ظل غياب التمثيل القنصلي

السوريون العالقون في ليبيا: معاناة مستمرة في ظل غياب التمثيل القنصلي

عنب بلدي – سندريلا البلعة

في أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة الليبية طرابلس، يعيش محمود العيسى، وهو ممسك بجواز سفر سوري منتهي الصلاحية منذ خمس سنوات، يشعر بالعجز التام. فمنذ اندلاع الحرب في سوريا ووصوله إلى ليبيا، أصبح حاله كحال آلاف السوريين العالقين في وضع قانوني ضبابي، غير قادرين على تجديد وثائقهم أو الحصول على أي مستند رسمي. والسبب الرئيسي، كما يرى، هو غياب قنصلية أو سفارة سورية في ليبيا.

وقال محمود لعنب بلدي: "من يجرؤ هنا على التعبير عن معاناته؟ من يحاول البحث عن حلول، يجد نفسه معتقلاً في السجون الليبية، يواجه مصيرًا مجهولاً".

في 15 أيار الماضي، وبتوجيهات من الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، أعلن وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، عبر تغريدة على منصة "إكس" عن قرار فتح سفارة وقنصلية للجمهورية العربية السورية في ليبيا، بهدف تقديم الخدمات القنصلية لأبناء الجالية وتعزيز العلاقات الثنائية. وأكدت الوزارة أنها سترسل فريقًا ميدانيًا للمتابعة، تمهيدًا لزيارة رسمية إلى الحكومة الليبية لاستكمال الإجراءات والتنسيق المشترك.

يُذكر أن السفارة السورية في طرابلس أُغلقت في تشرين الأول 2011، بقرار من المجلس الوطني الانتقالي الليبي بقطع العلاقات مع النظام السوري السابق، والاعتراف بالمجلس الوطني السوري المعارض آنذاك. ومنذ ذلك الحين، لم تفتح أي بعثة دبلوماسية رسمية تمثل دمشق، مما ترك السوريين بلا خدمات قنصلية ضرورية مثل تجديد جوازات السفر، وإصدار شهادات الميلاد أو الوفاة، وتسجيل الزواج والطلاق.

محاولات فردية وحلول بديلة

يلجأ بعض السوريين إلى السفر إلى دول مجاورة مثل تونس أو مصر للحصول على الأوراق الثبوتية، لكن هذه الرحلات مكلفة وخطرة بسبب الوضع الأمني غير المستقر في ليبيا، بالإضافة إلى تعقيدات الدخول إلى تلك الدول والمتطلبات الإضافية المفروضة عليهم. ويعتمد آخرون على وسطاء بطرق غير رسمية لتسيير أمورهم، مما يفتح الباب أمام الاستغلال والاحتيال، سواء عبر دفع مبالغ كبيرة مقابل خدمات قد لا تكتمل، أو التعرض للابتزاز.

هذا الواقع يضع الجالية السورية في ليبيا أمام تحديات جمة ومصير مجهول، فلا توجد أوراق أو ثبوتيات رسمية ولا مظلة قانونية تحميهم، فضلاً عن الاعتقالات العشوائية التي يتعرض لها السوريون هناك، والاحتجاز في ظروف غير إنسانية. وفي ظل غياب تمثيل قنصلي سوري فاعل أو أي جهة رسمية تُعنى بمتابعة أوضاعهم، تبقى الأغلبية معلقة بين الخوف من الاعتقال وخطر الترحيل أو الاستغلال.

حياة يومية بلا أوراق

وفقًا لتقديرات غير رسمية من منظمات إغاثة محلية، يعيش في ليبيا ما بين 30 إلى 50 ألف سوري، معظمهم دخلوا بعد الثورة السورية في 2011. يقول محمود: "لا أستطيع السفر، ولا تجديد إقامتي، وأولادي لا يحملون أي إثبات شخصي، مما يمنعني من تسجيلهم في المدرسة، هنا نحن عالقون".

وأشار إلى محاولات متكررة للتواصل مع الحكومة بعد سقوط النظام السوري، خوفًا من مصير الحجز في السجون الليبية، مطالبًا بفتح قنصلية مؤقتة، أو حتى مكتب قنصلي، وإرسال بعثة متنقلة للبحث في ملف المعتقلين السوريين، والتعاون مع المنظمات الدولية لضمان حقوق السوريين العالقين.

من جانبه، أكد ضرار محمد، وهو شاب سوري مهاجر إلى ليبيا، على المطالب ذاتها، مشيرًا إلى معاناة إضافية تتمثل بفرض الضرائب على السوريين هناك. وأوضح أن تحميلهم أعباء ضريبية بهذا الحجم، فقط مقابل السماح لهم بالعودة إلى بلادهم التي غادروها قسرًا، أمر غير منطقي، ويزيد من الضغوط المادية التي يرزحون تحتها.

ملف المعتقلين معاناة جديدة في ليبيا

يعاني الكثير من أبناء الجالية السورية في ليبيا جراء حجزهم واعتقالهم، وسط غياب قنصلية سورية أو جهة رسمية تتابع قضاياهم. "أم خالد"، وهي سيدة سورية، ذكرت لعنب بلدي أن ابنها معتقل في السجون الليبية منذ أكثر من شهرين دون معرفة مصيره أو مكان احتجازه، في ظل غياب أي دعم رسمي. وتقدّر أعداد المعتقلين السوريين في ليبيا بين 200 و800 شخص، بينهم أطفال وقاصرون، يتعرضون لابتزاز مالي ومعاملة سيئة في مراكز احتجاز غير رسمية، حسب رواية الأهالي.

ولا توجد أي إحصائيات رسمية معلنة، ولا خطوات واضحة من وزارة الخارجية السورية للتواصل مع الجانب الليبي، أو مع المنظمات الدولية لحل هذه الأزمة. عائلات المعتقلين تواصل المطالبة بالكشف عن مصير أبنائها، وتوفير آلية رسمية لاستصدار الأوراق الثبوتية، وتأمين الحماية القنصلية لهم. فيما يعاني الكثير من أهالي الجالية السورية في ليبيا من الاعتقالات العشوائية التي تطول الشبان في ليبيا. وفي 16 نيسان الماضي، نظمت مجموعة من الأهالي في دمشق وقفة احتجاجية للمطالبة بمعرفة مصير أبنائهم المعتقلين في السجون الليبية، مع التعبير عن استيائهم بسبب تعاملهم مع سماسرة، تعدهم دومًا بمعرفة مصير أبنائهم، مقابل مبالغ كبيرة، الذي بات مجهولًا حتى اليوم.

انتهاكات بحق السوريين

يتعرض المهاجرون وطالبو اللجوء في ليبيا، ومن بينهم سوريون، لانتهاكات خطيرة تهدد حياتهم وسلامتهم بسبب ممارسات جماعات بعضها تابع للسلطات الليبية، سواء عبر اعتراضهم بعنف أو احتجازهم في ظروف غير إنسانية. ويدفع غياب الطرق الآمنة والقانونية للهجرة كثيرين إلى الوقوع ضحايا لشبكات التهريب والاستغلال، ورغم أن القوانين الدولية تضمن حماية حقوقهم، يستمر الاتحاد الأوروبي في دعم خفر السواحل الليبي لإعادتهم قسرًا، بينما تغيب تحركات جادة من دولهم الأصلية لحمايتهم ومتابعة أوضاعهم، حسب تحقيق أجراه "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان".

ورغم محاولات متكررة للحصول على توضيحات من وزارة الخارجية والمغتربين السورية حول وجود خطة رسمية لفتح قنصلية، أو الاستجابة لوضع المعتقلين والمحتجزين السوريين في ليبيا، لم تتلقَّ عنب بلدي أي رد حتى تاريخ كتابة هذا التقرير.

مشاركة المقال: