نعت "رابطة الكتّاب السوريين" الشاعر والصحفي السوري "حسان عزت"، أحد مؤسسيها والفاعلين البارزين في نشاطها الثقافي. لم يكن "حسان عزت" مجرد شاعر عابر في المشهد الثقافي السوري، بل كان من الذين صاغوا شعريتهم من صميم التجربة الحياتية ومن نبض القلب والذاكرة.
أشارت الرابطة في بيان نعيها إلى أن قصيدة "عزت" تميزت بصوتها الخافت والناصع، حيث شكّل الحب، بمعناه الإنساني العميق، موضوعة راسخة في مشروعه الشعري، ليس فقط كعاطفة شخصية، بل كقيمة وجودية وقوة مقاومة في وجه القبح والعنف والخراب.
رحل الشاعر "حسان عزت" في الإمارات العربية المتحدة فجر الثلاثاء، بعد معاناة طويلة مع المرض العضال، لتنتهي بذلك رحلة شاعر كتب كأنه يعيش القصيدة، ورحل كما يعيش الشعراء: بصمت وصخب داخلي. وكانت آخر وصاياه: "كفّنوني بالماء، الماء وطني"، وكأنه أراد لرحيله أن يكون امتدادًا لقصيدته. ورغم مرضه، ظل يردد لمحبيه: "لا تقلقوا يا أحبتي، سأظل معكم".
وُلد "حسان عزت العسس" في دمشق عام 1949، لأسرة ذات أصول مغاربية وكردية، وتشرب منذ صغره روح التعدد والانفتاح. كانت جدته "أم سلطانة" ملهمة طفولته، ومنها تشكلت بذرة شاعر يرى في الانتماء مساحة للعيش المشترك، لا للصراع.
تخرج من جامعة دمشق، وأثبت موهبته مبكرًا حين فاز بجائزة شعرية عام 1976، ليبدأ بعدها مشوارًا شعريًا وصحفيًا حافلًا بالتجديد والمواقف الصادقة. في الإمارات، لم يكن "حسان" مجرد مغترب، بل كان فاعلًا ومؤسسًا ومحركًا للحراك الثقافي، وشارك في تأسيس عدة مجلات وصحف، من بينها "أخبار العرب"، كما أدار "بيت الشعر" في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، فكان شاعرًا ومديرًا ومربيًا للأجيال.
ترك "عزت" إرثًا شعريًا متنوعًا، بدأه بديوانه «شجر الغيلان في البحث عن قمر» (1981)، تلاه عدد من المجموعات الشعرية، من بينها: "تجليات حسان عزت"، "زمهرير"، "جناين ورد"، و"حواري الورد"، والتي فازت بـ جائزة أنجال هزاع 2002 عن شعر الأطفال. ولم تقتصر تجربته على القصيدة، بل خاض تجربة مسرح الشعر والموسيقى، كما في عرض "احتفالية للشمس" على مسارح دمشق عام 1998.
تُرجمت قصائده إلى عدة لغات، ودُرست أكاديميًا، منها رسالة دكتوراه في مدريد عن قصيدة النثر السورية.
ولأن الشعر موقف، كان "عزت" من الأصوات التي انحازت مبكرًا إلى الثورة السورية، مؤمنًا بأنها امتداد لحلمه القديم في العدالة والحرية. قال في إحدى مقابلاته: "الدمشقي الذي لم يتخلّ عن الناس… مؤمنٌ بأن الثورة ليست لحظة غضب، بل حق لا يسقط بالمساومة". وظل وفيًا لهذا الموقف حتى النهاية، مناصرًا للعدالة، حالمًا بوطن لا يُضيّق بأبنائه ولا يُصادر حريتهم، حتى آخر لحظات حياته. ودفع ثمن هذا الموقف منفىً طويلًا، عاشه بكرامة وصمت، دون أن يغادره الإيمان بالوطن الحر الذي يستحقه السوريون.
وامتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بكلمات الرثاء، لرحيل الصوت الذي لم يخن حلمه يومًا. جاءت الكلمات محمّلة بحزنٍ حقيقي، لا تصنعه المجاملة بل المعرفة العميقة بالشاعر. وكتب "فهر الشامي": "يا لروحك النبيلة، ولعنادك الكبير وأنت تقف شامخًا في وجه أعتى آلة إجرام عرفها التاريخ". وعلّقت "ميادة مصطفى كيالي": "قاوم المرض بصبر الشعراء... تبقى كلماته شاهدة على شاعر عاش الشعر نبضًا ووجعًا". أما "حسن عزام" فقد نعاه بعبارة تخترق القلب:"رحيله اختفاء تكتيكي في جسد القصيدة... التراب لم يعد وطنًا، والماء هو المأوى الأخير".
وقال الكاتب والصحفي السوري "محمد منصور"، راثيًا صديقه: "أقسى ما في موت حسان عزت أنه لم يعد إلى دمشق التي أحب كما كان يتمنى... وإلى المليحة التي نشأ طفلًا في بساتينها، ابنًا لعائلة العسسي الشهيرة فيها". وأضاف "منصور" مخاطبًا روح الشاعر: "يا أيها الدمشقي المغترب حتى الموت، يا ابن الغوطة، وابن الثورة، وابن التغريبة السورية، ومبدع الصداقات الدانية، المشرعة كقهوة الصباح للعابرين على مقاهي الرصيف".
فارس الرفاعي - زمان الوصل