السويداء – نورث برس
تعيش مدينة السويداء جنوبي سوريا وضعاً مأساوياً بعد أيام من الاشتباكات العنيفة التي شهدتها المدينة وريفها منذ السبت الماضي وحتى بداية الأسبوع الحالي، والتي خلفت دماراً واسعاً يعكس حجم المعاناة التي عاشها السكان.
بدأت الأحداث عندما تعرض سائق لعملية سلب وخطف على طريق السويداء- دمشق، مما أدى إلى اشتباكات بين مجموعات مسلحة من الفصائل الدرزية ومسلحي العشائر، أسفرت عن سقوط حوالي ألفي قتيل وجريح.
حصلت نورث برس على شهادات من سكان عاصروا تلك اللحظات الصعبة، حيث تحدثوا عن عمليات قتل جماعية وانتهاكات وقعت خلال الاشتباكات في المدينة والريف.
شهود عيان
يروي إسماعيل بدر تفاصيل حادثة قتل وقعت في إحدى المضافات قائلاً: "دخل ثمانية عناصر من الأمن العام إلى مضافة آل بدر، استقبلناهم وقدمنا لهم واجب الضيافة، ثم غادروا. وفي اليوم التالي، عادوا في الساعة السابعة صباحاً وارتكبوا مجزرة راح ضحيتها 16 شخصاً".
ويضيف: "قنص ثلاثة منهم على السطح، بينما قتل البقية داخل المضافة. أعرفهم بالاسم: عمر غسان بدر، أمجد إسماعيل بدر، نبيل سليمان بدر، علاء نبيل بدر، شادي سعيد بدر، زياد سعيد بدر، محمد علي بدر، ناصر كمال، كنان اللوص، مناف الملحم، غسان اشتي، عمرو اشتي، جواد ناجي التقي، وجياد ناجي التقي".
ويتحدث عن قيام عناصر مسلحة بإهانة شيخ كان في المضافة ثم قتله: "قاموا بحلق شاربه ولم يكتفوا بذلك، بل قتلوه أيضاً".
ويروي فراس بدر تفاصيل اليوم الأول قائلاً: "عندما دخل المسلحون إلى مدينة السويداء، بدأ القصف على المدينة يوم الأحد الماضي، واستهدف السوق واستمر لليوم التالي". ويشير إلى أن عائلته كانت تسمع أصوات مسلحين يجوبون الحي ويرددون: "ما تخلي أي درزي إلا برصاص ع الراس".
نجا صفوت رضوان وزوجته، وهما من سكان السويداء، بأعجوبة عندما سقط صاروخ بالقرب منهما على بعد ثلاثة أمتار، صباح يوم 14 من الشهر الجاري، عندما تطورت التوترات الأمنية إلى اشتباكات عنيفة. ويقول رضوان: "استغربنا كيف دخلوا المدينة لفض النزاع، لقد قاموا بقصف المدينة براجمات الصواريخ والدبابات والهاون". ويضيف: "هذا ليس فض نزاع، فالنزاع يفض بالتراضي والجلوس مع الزعامات، وليس بالصواريخ والراجمات".
الموقف الحكومي
في الرابع عشر من الشهر، أعلنت وزارتا الدفاع والداخلية السوريتان عن نشر عناصر وتعزيزات في ريف السويداء لفض الاشتباكات بين فصائل محلية ومسلحين من عشائر البدو وفصائل مسلحة من درعا.
وقال الناطق باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، إن "الأزمات الأمنية المتلاحقة في السويداء مردها لتعنت التيار الانعزالي، ولا حل للسويداء إلا بحضور هيبة الدولة، وتفعيل أجهزتها، وأخذ المؤسسات الأمنية والعسكرية الرسمية دورها الطبيعي في حماية أهلنا المدنيين".
ازداد الوضع تعقيداً في السويداء بعد التدخل الإسرائيلي وقصفه لمواقع وقوات حكومية في دمشق ودرعا والسويداء، مما استدعى تدخل أطراف دولية لوقف إطلاق النار. وأصدرت الرئاسة السورية قراراً بوقف شامل وكامل لإطلاق النار في جميع المناطق، وإعادة توزيع عناصر الأمن الداخلي من سكان المدينة.
قبل يومين، تم إجلاء أول دفعة من العائلات العالقة في السويداء باتجاه درعا، بموجب اتفاق بين الحكومة والفصائل المسلحة، وتم إجلاء 400 شخص من العالقين في المدينة يوم أمس، حسبما أفادت شبكة مراسلي نورث برس في المنطقة.
تعليق دولي على أحداث السويداء
في أحدث تعليق للولايات المتحدة الأميركية على الأحداث في السويداء، قال المبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس باراك، إن "المخاطر في سوريا مرتفعة بشكل خطير، ونصحت الرئيس الشرع في مناقشات خاصة بإعادة النظر في عناصر الجيش"، وفقاً لرويترز.
وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في تصريح خلال عودته من قبرص: "الجانب الإسرائيلي يواصل استفزازاته، ولا يريد الاستقرار في المنطقة، ويعتقد أن بقاء سوريا موحدة لا يخدم مصالحه".
أعربت فرنسا عن قلقها من التصعيد في الجنوب السوري، وقالت في بيان إنها "تدعو جميع الجهات الفاعلة إلى التقيد الصارم بوقف إطلاق النار وضمان أمن المدنيين واستئناف المساعدات الإنسانية وتوفير الخدمات الأساسية في المنطقة".
وقالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير: "القتال بين الجماعات المسلحة المحلية التي يقودها الدروز وعشائر البدو المسلحة، تفاقم بفعل تدخل الحكومة السورية والضربات الجوية الإسرائيلية"، مضيفة أنه "تسبب بأزمة إنسانية خطيرة".
إعداد وتحرير: مالين محمد