عنب بلدي – رغد عثمان – احتضنت محافظة طرطوس بطولة مفتوحة للشطرنج (الخاطف) على مستوى المحافظة في 19 تموز الجاري، احتفاءً باليوم العالمي للشطرنج الذي يصادف 20 تموز. شهدت البطولة، التي نُظّمت بإشراف اللجنة الفنية للشطرنج وبرعاية مديرية الرياضة في طرطوس، مشاركة واسعة تجاوزت 50 لاعبًا ولاعبة من مختلف الفئات العمرية.
تميزت البطولة بمنافسة حادة، خاصة على المراكز المتقدمة، حيث تعادل اللاعبان محمد موسى ونور الدين مبارك بالنقاط (6 نقاط لكل منهما)، ليحسم كسر التعادل الفوز بالمركز الأول لصالح محمد موسى، بينما حل نور الدين مبارك في المركز الثاني. وفي منافسة على المركز الثالث، تفوق ياسر حسين على بيان أسعد بكسر التعادل، ليحتل ياسر حسين المركز الثالث برصيد 5.5 نقطة، ويأتي بيان أسعد في المركز الرابع بنفس الرصيد. كما فاز اللاعب خضر مبارك بجائزة أفضل نتيجة بين الفئات العمرية، بينما نالت آنا وسوف جائزة أفضل نتيجة للسيدات، بعد تفوقها على جويل حسامو بكسر التعادل، وفقًا للمدرب ثابت وسوف.
حضر افتتاح البطولة وتابع فعالياتها معاوية حمامي، مدير مديرية الرياضة والشباب في طرطوس، ومحمد سلمان، رئيس مكتب المنشآت الرياضية، والمدربة ماريا دولات، رئيسة مكتب الألعاب الفردية.
واقع الشطرنج والبطولات المحلية
يشهد الشطرنج في سوريا حالة من التراجع، مع غياب المشاركات الخارجية وحضور متواضع محليًا في عدد من المحافظات. ومع ذلك، تظهر بوادر تحسن تدريجي. وأكد الحكم والمدرب الدولي في الشطرنج، ثابت وسوف، لعنب بلدي، أن البطولات المحلية ضرورية لإعداد اللاعبين وتطوير مهاراتهم، فهي تمهد الطريق للمشاركة في بطولات الجمهورية، التي بدورها تؤهل للمنافسات الدولية. واعتبر بطولة طرطوس مثالًا على ذلك، حيث ساهمت في رفع مستوى اللعبة ومنحت اللاعبين فرصة للاحتكاك واكتساب الخبرة.
ووصف وسوف أداء اللاعبين والأجواء العامة للبطولة بأنها "رائعة بكل المقاييس"، مشيرًا إلى المنافسة القوية بين مختلف الفئات العمرية، وإلى أن الاجتهاد والمثابرة قد يتفوقان على الخبرة، كما تجلى في تقاسم المركز الأول بين محمد موسى (20 عامًا) ونور الدين مبارك (14 عامًا)، ما يدل على تكافؤ الفرص في هذه الرياضة الذهنية.
وعن اعتماد نظام "الرابيد"، أوضح وسوف أنه تم اختياره لأسباب عملية، منها صعوبة حضور اللاعبين يوميًا من المناطق الريفية، حيث يتطلب النظام الكلاسيكي ثلاثة إلى أربعة أيام، وهو أمر غير ممكن في الظروف الحالية. نظام "الرابيد" يمثل حلًا وسطًا بين النظام السريع (بليتز) والبطيء (كلاسيك)، حيث يسمح بإنجاز البطولة في يوم واحد، ويدرب اللاعبين على اللعب تحت الضغط الزمني، مما يعزز جاهزيتهم الذهنية.
الفائز بالمركز الأول
عبّر محمد موسى (20 عامًا)، الفائز بالمركز الأول في بطولة طرطوس، لعنب بلدي، عن سعادته قائلًا: "شعور الفوز كتير حلو، أول بطولة بفوز فيها بعد ثلاث سنوات من اللعب". وأضاف أن هذا الفوز يمثل نقطة تحول في مسيرته، حيث دخل المنافسات بثقة عالية، دون أن يشغل باله بمستوى خصومه، مما منحه أفضلية ذهنية.
أشار محمد إلى أن أصعب لحظة واجهها كانت الخسارة في أحد الأدوار الحاسمة، لكنه تعامل معها بهدوء وركز على تحليل الأخطاء لتجنب تكرارها. وأوضح أنه اعتمد على تنويع أساليب اللعب، واختار افتتاحيات استراتيجية أمام اللاعبين الأضعف وافتتاحيات تكتيكية أمام اللاعبين الأقوى.
بعد الفوز، شعر محمد بقيمة الالتزام اليومي الذي كان يمارسه، معتبرًا أن ساعة تدريب يومية كانت كفيلة بإحداث فارق كبير في مستواه، وأن الاستمرار وحده كفيل بتحقيق التطور.
الخطط والتنظيم
تنظيم بطولات شهرية للشطرنج على مستوى الجمهورية مكلف ويتطلب أيامًا عديدة وعددًا كبيرًا من الحكام والمعدات. ومع ذلك، كانت هناك نيات حقيقية لدى الاتحاد السابق لإطلاق هذه البطولات، ويأمل الجميع أن يتم التخطيط لها مجددًا مع الاتحاد الجديد، حسب قول ثابت وسوف.
وأوضح وسوف أن هناك خطة تدريبية سنوية على مستوى المحافظة تشمل تدريبات دورية لجميع اللاعبين واللاعبات، بهدف الحفاظ على الجاهزية للمنافسة في أي بطولة، سواء على المستوى الوطني أو الدولي. ويتم تنظيم معسكرات مغلقة في دمشق بإشراف الاتحاد الرياضي، ويُستدعى مدربون متخصصون للعمل مع اللاعبين.
تحديات تواجه اللعبة
يرى الأكاديمي في شؤون الشطرنج، المدرب ميثاق الحسن، أن الشطرنج ينمي الجانبين الأيسر والأيمن من الدماغ، ويشجع على التفكير الإبداعي والمنطقي، ويقوي الذاكرة البصرية، ويعزز الشخصية. وقد أثبتت الدراسات أن الشطرنج مفيد في تنمية القدرات العلمية.
أما على الصعيد التقني، فيرى ميثاق أن التكنولوجيا أثرت سلبًا على اللاعبين، حيث أصبحوا يعتمدون على البرامج الإلكترونية وتخلوا عن الكتب والدراسة الذاتية، مما أضعف مهاراتهم. كما أن ضعف الاهتمام الإعلامي وسوء الظروف اللوجستية والمادية يمثل تحديًا كبيرًا، حيث يُطلب من المدربين العمل في قاعات غير مهيأة، في ظل غياب التكييف أو الحد الأدنى من التجهيزات، إضافة إلى تكاليف السفر بين المحافظات.
ويضيف أنه على الرغم من وجود كوادر تدريبية متميزة ومشاركة لاعبين موهوبين، فإن غياب الدعم المالي من وزارة الرياضة وغياب فرص الاحتكاك مع مدارس الشطرنج الأخرى يعوق تطور اللعبة.
تاريخ الشطرنج السوري
أشار المدرب ميثاق حسن، الذي أشرف على تدريب منتخب سوريا لفئات عمرية مختلفة لأكثر من 16 عامًا، إلى أن أول اتحاد سوري للشطرنج تأسس عام 1970، وكان أحمد أديب كلاس أول رئيس له. وأضاف أن سوريا كانت تهيمن على بطولات الفئات العمرية على مستوى الوطن العربي بين عامي 2004 و2012، حيث فاز المنتخب الوطني ببطولة العرب في دمشق عام 2007 وفي اليمن عام 2012، كما حقق اللاعبون السوريون المراكز الأولى في بطولات الإمارات 2008 والأردن 2006 وغيرها. إلا أن الأحداث بعد عام 2012 أدت إلى تراجع الدعم وتجميد عضوية سوريا في الاتحاد العربي للشطرنج، مما أثر سلبًا على استعدادات ومشاركة اللاعبين.