توقعت الحكومة التركية زيادة أعداد السوريين الراغبين في "العودة الطوعية" إلى بلادهم مع انتهاء العام الدراسي وبدء العطلة الصيفية، حيث يشكل اللاجئون السوريون، البالغ عددهم حوالي 2.7 مليون شخص، عائلات مع أطفال. وبالفعل، ارتفع عدد العائدين من 250 ألفًا إلى 316 ألفًا بين مطلع يونيو ومطلع يوليو.
إلا أن هذا الزخم بدأ في التراجع بسبب الاشتباكات في السويداء والغارات الإسرائيلية على دمشق، مما أثار مخاوف أمنية. وأشار إبراهيم فورغون كافلاك، من منظمة الإغاثة التركية ASAM، إلى أن ازدياد المخاوف الأمنية أدى إلى تراجع أعداد العائدين.
تحولت قضية اللاجئين السوريين إلى ملف سياسي في تركيا، وتصدرت أجندة المعارضة، خاصة حزب الشعب الجمهوري (CHP). ومع انشغال الحزب بالمطالبة بالإفراج عن مرشحه الرئاسي المعتقل أكرم إمام أوغلو، تمسك الرئيس أردوغان بخيار العودة الطوعية مؤقتًا. لكن كافلاك يحذر من أن هذا قد يتغير مع بداية الحملة الانتخابية المقبلة، مع تزايد الضغط المجتمعي حول بقاء السوريين في تركيا بعد سقوط نظام الأسد.
يرى كافلاك أن تركيا قد تتجه إلى تغيير نظام الحماية المؤقتة خلال عام ونصف إلى عامين، مشيرًا إلى أن أهم دوافع العودة حاليًا هي الوضع الاقتصادي المتدهور، وارتفاع البطالة، وتكاليف المعيشة الباهظة. ويعيش أكثر من نصف السوريين في تركيا في المناطق المتضررة من زلزال فبراير 2023، حيث ارتفعت الإيجارات بشكل كبير، خاصة على السوريين الذين لا يُسمح لهم بمغادرة الولايات المسجّلين فيها. ومع توقف المساعدات الطارئة وتقليص التمويل الدولي للبرامج الإنسانية، قد تتزايد دوافع العودة، بالإضافة إلى الاعتداءات العنصرية التي شهدتها عدة مدن تركية في يوليو 2024.
على الرغم من هذه الدوافع، تبقى الأوضاع في سوريا صعبة للغاية، حيث أن ثلث المناطق السكنية مدمر تمامًا، والكهرباء متوفرة مرة كل أربعة أيام فقط، والمياه مرة كل خمسة أيام، ويُقتل يوميًا 30 إلى 40 شخصًا بسبب الألغام، ونصف الأراضي الزراعية ملوثة بمخلفات الحرب. كما أن العديد من القضايا القانونية لا تزال عالقة، مثل الولاية القانونية على الأطفال بين الأزواج الأتراك والسوريين، والاعتراف بموالد الأطفال السوريين المولودين في تركيا (أكثر من مليون طفل)، والاعتراف بالشهادات المدرسية والجامعية.
يشير كافلاك إلى أن الكثير من النساء السوريات الشابات اللواتي نشأن في تركيا يخشين من فقدان حرياتهن في سوريا. ويقول إن المرحلة العاطفية التي سادها التفاؤل بعد سقوط الأسد قد انتهت، والآن بات السوريون يُقيّمون واقعهم في كلا البلدين بعقلانية. كما أن رفع العقوبات الأوروبية والأمريكية جزئيًا وتحسين تحويل الأموال نحو سوريا أعطى إشارات إيجابية، لكن كافلاك يأسف لأن قرارات الاتحاد الأوروبي بطيئة جدًا.
بحسب متين جوراباتير، مدير مركز أبحاث اللجوء والهجرة (IGAM)، فإن منظمات الأمم المتحدة تعتبر أن الظروف لم تنضج بعد لبدء العودة المنظمة والمدعومة ماليًا. ورغم وجود أفكار لدعم النقل وإعادة الإعمار، إلا أن الجهات الدولية لا تزال مترددة في تقديم حوافز للعودة. حتى الطلب التركي بدعم برامج التدريب المهني المرتبطة بترحيل اللاجئين لم يلقَ قبولًا. ومع ذلك، هناك مقترحات لتعليم اللغة العربية للأطفال السوريين، وربما توفير شهادات تركية عبر التعليم عن بعد.
أشادت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتركيا، لأنها سمحت بشكل سريع بما يُعرف بـ"زيارات التحقق": حيث يمكن لكل عائلة إرسال أحد أفرادها لزيارة سوريا والعودة لتقييم الوضع. وقد شارك 33,500 شخص في هذه المبادرة، لكنها توقفت بنهاية يونيو 2025، رغم مطالب المجتمع المدني بتمديدها. وتتوقع المفوضية أن يصل عدد العائدين إلى نحو 700 ألف لاجئ سوري بحلول نهاية 2025، لكن مراقبين يرون هذا الرقم متفائلًا جدًا في ظل الأوضاع الميدانية الراهنة. وفي جميع الأحوال، يتضح أن غالبية السوريين لن يعودوا في المستقبل القريب. وهنا يواجه صناع القرار في أنقرة "لحظة الحقيقة"، في ظل استمرار رفض النخبة السياسية استخدام مصطلح "الاندماج" في الخطاب الرسمي.
بدأت المديرية العامة للهجرة التركية في تعديل استراتيجيتها تدريجيًا لمواكبة الواقع. ففي الوقت الحالي، يعمل أكثر من 1.1 مليون سوري في قطاعات غير رسمية. والآن تُطرح خطة لدمج هؤلاء العمال في سوق العمل النظامي. كما تنص لائحة جديدة أنه اعتبارًا من يناير المقبل (2026)، سيكون على أصحاب العمل تحمّل تكاليف ترحيل أي عامل أجنبي يعمل لديهم بشكل غير قانوني. وقد يكون ذلك إيذانًا بنهاية مرحلة "العودة الطوعية فقط"، تمهيدًا لخيارات سياسية أكثر صرامة.