الثلاثاء, 5 أغسطس 2025 03:45 PM

لبنان أمام خيارات صعبة: هل تغلب ورقة برّاك المصلحة الوطنية؟

لبنان أمام خيارات صعبة: هل تغلب ورقة برّاك المصلحة الوطنية؟

يقف لبنان اليوم على مفترق طرق حاسم في تاريخه السياسي. وتُعتبر جلسة مجلس الوزراء التي ستُعقد اليوم في بعبدا نقطة تحدٍّ محورية فيما يتعلق بالسيادة الوطنية، خاصةً بعد أن أظهر المسؤولون خضوعهم لرغبات خارجية، أميركية وسعودية، تسعى لتحقيق المصالح الإسرائيلية.

تتواصل الاتصالات لإيجاد حلول توافقية تمنع انزلاق البلاد إلى الفوضى، مع استمرار الخلاف حول الأولويات: هل تُعطى الأولوية لمبادرة المبعوث الأميركي توماس برّاك أم لمصلحة لبنان؟ هذا السؤال يفرض نفسه على القوى السياسية بعد تلقي رئيس مجلس النواب نبيه برّي الرد الأميركي الرسمي والنهائي على المقترح اللبناني، والذي يؤكد على عدم وجود تعديلات أو نقاش، وأن على لبنان إما القبول أو تحمل المسؤولية.

كشفت مصادر لـ«الأخبار» أن ورقة برّاك تتضمن نفس مبادئ الورقة اللبنانية، ولكنها تعكس ترتيب البنود، حيث تعطي الأولوية لنزع السلاح قبل أي شيء آخر. ووفقًا للورقة الأميركية، فإن نزع السلاح هو شرط أساسي لبدء المفاوضات مع العدو الإسرائيلي برعاية دولية لحل النقاط المتنازع عليها وترسيم الحدود مع إسرائيل وسوريا. بعد ذلك، يتم التطرق إلى وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، وانسحاب العدو من المناطق المحتلة في الجنوب، وإطلاق سراح الأسرى، وإعادة الإعمار، ومساعدة لبنان على تجاوز أزمته الاقتصادية.

مع تسليم ورقة برّاك عشية جلسة الحكومة، يواجه لبنان رؤيتين: الأولى، التي تحدث عنها رئيس الجمهورية جوزيف عون في ذكرى عيد الجيش وتقارب البيان الوزاري، والأخرى التي يفرضها الجانب الأميركي والتي تراعي المصلحة الإسرائيلية خارج الاتفاق الذي التزم به لبنان والمقاومة. فما هو الجدول الذي ستناقشه الحكومة اليوم؟ هل هو جدول لبنان أم الجدول الأميركي الذي ينسف كل الجهود؟

حتى مساء أمس، لم تتوفر إجابة واضحة، لكن التواصل السياسي استمر في ظل ضغط إعلامي مكثف تقوده المملكة العربية السعودية. وقال مطّلعون إن «حزب الله وحركة أمل، ومن خلال لقاءات مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة نواف سلام، استنتجا عدم وجود توجه لفرض مهل زمنية، بل سيكون هناك تأكيد على ما ورد في البيان الوزاري بشأن حصرية السلاح في يد الدولة». وأضافوا أن هناك صيغًا عدة مطروحة لتهدئة الوضع، منها نقل الملف إلى المجلس الأعلى للدفاع، لكن البعض حذر رئيس الجمهورية من ذلك، لأنه سيجعله يتحمل المسؤولية وحده ويسحب هامش المناورة، خاصةً وأن الأمر سيكون في عهدة ضباط الجيش، مما يفقد لبنان ورقة ضغط سياسية. اقتراح آخر يتحدث عن تأليف لجنة عسكرية لدراسة الملف وتحديد آلية تنفيذه مع تحديد المهل، ثم إعادته إلى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار، وهو ما يكسب لبنان مزيدًا من الوقت.

تركزت الاتصالات في الساعات الأخيرة على مسارين: الأول بين الرؤساء الثلاثة للوصول إلى صيغة وسطية تراعي جميع الأطراف، والآخر بين بعبدا وحارة حريك. وعلمت «الأخبار» أن مقربين من عون التقوا بمسؤولين في الحزب لمناقشة السيناريوهات المطروحة، وتقييم نتائج النقاشات داخل الجلسة اليوم وتجنب ردود فعل تؤدي إلى انسحاب الثنائي أو الأطراف المناهضة لحزب الله في حال رفضوا أنصاف الحلول. وتشير المعطيات إلى أن وزراء الثنائي سيحضرون الجلسة، باستثناء وزيري المال والعمل الموجودين خارج البلاد. لم تقتصر الاتصالات على هذين المسارين، بل شملت شخصيات سياسية ورؤساء حكومات سابقين من بينهم الرئيس نجيب ميقاتي، مع التأكيد على إمكانية التوصل إلى صيغ تجمع بين السيادة ومتطلبات الأمن الوطني، في حين يستعد كل طرف لطرح وجهة نظره أمام مجلس الوزراء.

مع ذلك، تبقى المخاوف قائمة من أن تكون الجلسة فخًا يدفع الثنائي لاتخاذ قرار تحت الضغط، ثم يتبعه ضغط أكبر لتنفيذه، خاصةً وأن حزبي «القوات» و«الكتائب» يدعمان إقرار جدول زمني، فيما تقول مصادر وليد جنبلاط إنه «يلتزم بالخط الحواري مع الرؤساء مع التمسّك بمضمون خطاب القسم والبيان الوزاري».

عشية الجلسة الحكومية المخصصة للبحث في سلاح المقاومة، زار وفد من حزب الله، ضم النائبين علي فياض ورائد برو ومسؤول العلاقات المسيحية محمد الخنسا، الرئيس السابق العماد ميشال عون في منزله بالرابية، للتشاور في الأوضاع الراهنة وعرض وجهات النظر حيال المستجدات ولا سيما تطبيق مندرجات اتفاق وقف إطلاق النار. وقال مطّلعون على اللقاء إن «وفد الحزب أكّد الالتزام بالقرار 1701، وتنفيذ ما هو مطلوب منه، بينما لم يلتزم العدو الإسرائيلي بأي شيء». وأبلغ الوفد «الجنرال» أن «الفترة الماضية كرّست حقيقة أن الأطراف التي يقال عنها بأنها ضمانة لم تكن كذلك، وهي لم تلتزم بتقديم أي ضمانات مقابل طرح نزع السلاح فمن يضمن ما الذي سيفعله العدو في حال تسليم السلاح؟»، كما أكّد الوفد على «الثوابت التي وضعها رئيس الجمهورية الحالي جوزيف عون، لجهة الانسحاب الإسرائيلي وتحرير الأسرى ووقف العمليات العسكرية والسماح للبنان بإعادة الإعمار، أمّا نزع السلاح فهو شأن لبناني يحتاج إلى حوار واستراتيجية تحمي لبنان في ظل المخاطر المُحدِقة به، ليس فقط من حدوده الجنوبية، إنما أيضاً من الحدود الشرقية، والدليل ما جرى في مناطق سوريّة متعددة». وأضاف المطّلعون أن «التطورات في سوريا وما حصل في السويداء، وامتداداتها في بعض المناطق اللبنانية ولا سيما في الشمال، كانَت كلها محط نقاش في اللقاء، وكان هناك توافق على أنها تشكّل قلقاً وهي غير مطمئنة»، حيث أكّد الرئيس عون، أن «موضوع السلاح شأن حزب الله وهو يعرف كيف سيتعامل مع هذا الأمر»، وتحدّث بشكل عام عن «طرف ظالم يمارس ظلمه في المنطقة كلها»، كما تحدّث عن أن «العدو الإسرائيلي يملك تفوّقاً جوياً وهو قد يلجأ إلى العدوان الجوي كبديل عن أي خيار آخر، لعلمه أن المقاومة متفوّقة في البر وهو ربّما لن يعطيها هذه الورقة»، كذلك لفت إلى معلومات لديه عن «سعي أميركي للسيطرة على الساحليْن اللبناني والسوري، ومنع أي وجود لطرف آخر وذلك للاستفادة من الثروات الموجودة في البحر».

مشاركة المقال: