الخميس, 7 أغسطس 2025 08:02 PM

السويداء: الحل السياسي حتمي.. المدنيون يدفعون ثمن تأخر التسوية

السويداء: الحل السياسي حتمي.. المدنيون يدفعون ثمن تأخر التسوية

منذ 19 تموز الماضي، توقفت المعارك الدامية التي استمرت أسبوعًا في "السويداء"، ودخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. أُغلقت الطرق المؤدية إلى المحافظة، وتم تخصيص معبر "بصرى الشام" كممر إنساني لإدخال المساعدات إلى السكان.

سناك سوري _ محمد العمر

هذا الوضع المستمر منذ أكثر من أسبوعين خلف كارثة إنسانية داخل المحافظة، يدفع ثمنها السكان، بعد معركة لم يختاروها ولم يكونوا جزءًا منها إلا كضحايا للعنف. نزح العشرات من القرى التي شهدت أعمال عنف باتجاه مدينة "السويداء" وقرى الريف الجنوبي، مما تسبب في زيادة سكانية ضمن نطاق جغرافي ضيق. وبطبيعة الحال، كان الخارجون من أسبوع العنف بحاجة ماسة إلى المساعدات الغذائية والطبية ومستلزمات الحياة اليومية بعد خروجهم من منازلهم.

في ظل تزايد الاحتياجات الإنسانية، انقطع الطريق الحيوي بين "السويداء" و"دمشق"، والذي كان بوابة لاشتعال الأحداث، وبالتالي توقفت الحركة التجارية من وإلى المحافظة، وانقطعت المخصصات الحكومية للسويداء من محروقات وطحين، فضلًا عن الأضرار الكبيرة التي لحقت بشبكة الكهرباء وتدهور حالة شبكات الاتصال، فيما يعيش الآلاف في أزمة مياه جراء نقص الوقود اللازم للضخ من الآبار ولنقل المياه إلى المنازل والأحياء.

حصار السويداء

يقول سكان السويداء إنهم يعيشون تحت وطأة حصار ممنهج تفرضه عليهم الحكومة السورية، ويحملونها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الإنسانية، مطالبين بإعادة فتح الطريق نحو العاصمة وتأمينه لاستئناف الحركة التجارية وإدخال البضائع والمواد اللازمة بشكل اعتيادي للمحافظة.

في المقابل، تنفي "دمشق" فرض أي حصار على "السويداء"، وتحمل من تصفهم بـ"المجموعات الخارجة عن القانون" مسؤولية ما حدث، وتعتبر أن فتح الممر الإنساني في "بصرى الشام" وإدخال المساعدات وإمدادات الوقود والطحين عبره بشكل يومي دليل على عدم وجود حصار، وتشير إلى خروج مدنيين من السويداء عبر الممر الإنساني كدليل على رفض الواقع المفروض عليهم داخل المحافظة.

ليأتي الرد بأن مجرد وجود معبر إنساني وقوافل مساعدات هو الدليل المضاد الذي يؤكد أن المحافظة تعيش حالة حصار ولا تمر بظروف طبيعية مستقرة.

لكن الأهم بين رواية حصار السويداء ونفيها، هو حقيقة أن أهالي المحافظة يعيشون بالفعل واقعًا إنسانيًا صعبًا، فالأسواق بلا بضائع والأفران تكاد تتوقف والمياه لا تصل إلا بعد معاناة، والخدمات في أسوأ حالاتها، والاحتياجات تفوق ما يدخل إلى المحافظة من مساعدات بكثير.

الرهان على الوقت

سيبرز سؤال وماذا بعد؟ عند النظر إلى المشهد في "السويداء"، ما الذي تنتظره فصائل "السويداء" والحكومة في "دمشق" للتحرك من أجل الخروج من المأزق؟ أيّ متغيّرات منتظرة تعوّل عليها الأطراف لإنهاء المأساة الإنسانية؟.

فصائل "السويداء" من المفترض أنها أدركت أن التدخل الخارجي لن ينقذ المحافظة من الحالة الراهنة، وأن ما فعله كيان الاحتلال لم يكن من أجل نجدة أهالي "السويداء"، وانتظار العوامل الخارجية قد يطول إلى مرحلة لا يحتمل فيها الأهالي ما يمرّون به من معاناة.

كما أن التوجه الأخير لإعلان عمّا سمي ب لإدارة شؤون المحافظة وتسمية اثنين من ضباط النظام السابق قائداً للأمن الداخلي ونائبه في المحافظة، لم يكن خطوة مبشّرة بالميل نحو الحل، بل إيحاءً بالتوجه نحو التأقلم مع الحالة الراهنة واعتبار "السويداء" شبه مستقلة، ما يعزّز الانقسام ولا يدفع باتجاه تفكيك أسباب الأزمة القائمة، وما قد يتخذ من خطوات من باب النكاية السياسية ستنعكس عواقبه على السكان الذين يدفعون الثمن دوماً.

في المقابل، فإن تمسّك "دمشق" بموقفها من "السويداء" كجزء من الأراضي السورية ودعوتها لانضمام الجميع في كيان الدولة الموحّدة، يفترض بها أن تتحرّك لإعادة إحياء قنوات التواصل والمسار السياسي وسبل الحوار التي قطعتها أعمال العنف.

وقد يكون عامل الوقت هنا لصالح الحكومة على حساب فصائل "السويداء"، نظرًا لأن الضغط الأكبر يتعرض له من يعيش داخل المحافظة، إلا أن ذلك يتناقض مع مفهوم الدولة الجامعة التي تجمع مكونات البلاد وتشاركهم في رحلة الانتقال والتعافي من الحرب وعهود القمع.

ومهما طال الوقت، أظهرت المعارك التي عاشتها "السويداء" وما سبّبته من ضحايا ودمار، أنه لا يمكن لطرف التغلّب على الآخر إلى حدِّ إنهاء وجوده، حتى أن هذا الخيار يمثّل خسارة لجميع الأطراف وجميع السوريين، وبالتالي فمن الطبيعي أن تدرك الأطراف أن الحل الوحيد يكمن في العودة إلى الحوار والسياسة والابتعاد عن العنف، وتجاوز حملات التجييش والتحريض وخطاب الكراهية الذي ساد خلال الفترة الماضية.

ولكن التأخر في العودة إلى الحوار لن يؤدي إلا لمزيد من معاناة المدنيين، وإلا ترسيخ الانقسام وتعميق سرديات الكراهية والعدوانية دون جدوى، علمًا أنه كان من المفترض للسوريين بعد 14 عامًا من الصراع أنهم تعلّموا هذا الدرس جيدًا، وأدركوا تكلفة الانقسام تحت عناوين سياسية والأثمان التي يدفعها المدنيون في المقابل.

مشاركة المقال: