صدر حديثًا للمفكر والصحفي الأردني الدكتور عبدالله الطوالبة كتاب جديد بعنوان "الإنسان والدين/بعقولها تتقدم الأمم وليس بأديانها" عن مطبعة السفير في العاصمة عمان، ويقع في 240 صفحة من القطع الكبير. يضم الكتاب بين دفتيه أربعة فصول، بالإضافة إلى مقدمة وخاتمة وقائمة بالمراجع.
يهدف الكتاب بشكل أساسي إلى ترسيخ وعي علمي بالدين، يرى المؤلف أنه يشكل رافعة أساسية للتقدم، مستفيدًا من تجارب الأمم المتقدمة. ويؤكد أن المدخل الرئيسي لهذا الوعي يكمن في قراءة الدين وفهمه في سياقات المراحل التاريخية التي ظهر فيها، مع الأخذ في الاعتبار الأبعاد المادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
يتناول الفصل الأول موضوع السحر، بتعريفه وأنواعه وأركانه وقوانينه، ويتساءل عن الأسبقية التاريخية لكل من السحر والدين.
يصف الكتاب السحر بأنه مجموعة من الظواهر الباراسيكولوجية، وفقًا لآراء باحثين متخصصين، تقوم على فكرة وجود "قوة خارقة" افترضها الإنسان البدائي في العصر الحجري، سواء كانت موجودة في السحرة أو في الحيوانات أو النباتات أو الأحجار. واعتبر الإنسان القديم أن هذه القوة قادرة على اختراق قوانين الطبيعة والتحكم بها وتجاوزها. وباختصار، يرى الكتاب أن السحر هو نمط تفكير بدائي خرافي، استخدمه إنسان العصور الحجرية كوسيلة لإخضاع محيطه.
يُعرّف السحر بأنه "قوة خفية لامرئية خارقة"، ويتكون من ثلاثة عناصر رئيسية: المعتقد والطقس والتعويذة. وبذلك، يتقاطع السحر مع الدين، على الرغم من اختلافهما في غياب الأسطورة عن السحر، والتي تعتبر المكون الرئيسي للدين. لذلك، يعتبر بعض الباحثين السحر "أولى عتبات الدين" أو "دينًا بدائيًا". وعلى أساس السحر، تطورت ثلاث ديانات سحرية، هي الفتيشية والأرواحية والطوطمية. ويرى سيجموند فرويد، مؤسس علم التحليل النفسي، أن الطوطمية هي الصيغة الأولى للدين في تاريخ البشرية.
يستعرض الفصل الثاني الأسطورة، باعتبارها المكون الرئيسي للدين. فإذا كان السحر يمثل محاولة الإنسان القديم للسيطرة على الطبيعة، فإن الأسطورة تمثل محاولته لفهم الكون وتقديم تفسيرات للعالم المحيط به وظواهره. ويشير الكتاب إلى أنه عندما يئس الإنسان تمامًا من السحر، أصبحت الأسطورة كل شيء بالنسبة له، فهي تأملاته وحكمته، ومنطقه وأسلوبه في المعرفة، وأداته الأسبق في التفسير والتعليل، وأدبه وشعره وفنه، وشِرعته وعرفه وقانونه، وانعكاسًا خارجيًّا لحقائقه النفسية الداخلية. فالأسطورة هي نظام فكري متكامل، استوعب قلق الإنسان الوجودي، وتوقه الأبدي لكشف الغوامض التي يطرحها محيطه، والأحاجي التي يتحداه بها التنظيم الكوني المحكم الذي يتحرك ضمنه، إنها مجمع الحياة الفكرية والروحية للإنسان القديم.
من خلال الأساطير، انتقل الإنسان إلى تعدد الآلهة، حيث كان هناك إله لكل ما يهمه ويعنيه وله علاقة بتلبية احتياجاته. فقد تصور إنسان الأزمنة الغابرة أن له إلهًا بيده أسرار الخير والشر والسعادة والشقاء. وللشمس إلهها، كما للقمر إلهه، وبمشيئتهما يسطع النور على الأرض وبإرادتهما يحل الظلام. وللمطر إلهه إن شاء هطل، وإن أراد انحبس. وللنار إلهها، وللخصب إلهه، وللجفاف أيضًا إلهه.
تُعرّف الأسطورة في أبسط صورها بأنها "حكاية مقدسة"، وفي الفكر الأسطوري هي "أرضية ما ورائية لكل ما يجري على مسرح الكون". وبحسب ادوارد تايلور، "لا توجد أسطورة بمعزل عن الدين". ويقول مرسيا إلياد: "الأسطورة قصة مقدسة، وقعت في الزمن الأول، زمن البدايات العجيب. فهي تروي لنا كيف خرجت حقيقة ما إلى الوجود بفضل أعمال باهرة، قامت بها كائنات خارقة للطبيعة، ومن ثم تتحدث الأسطورة عن عملية خلق، فيتم الكشف عن نشاطها الإبداعي وقدسية أعمالها، فهي أشبه ما تكون بتاريخ مقدس". ويخلص إلياد إلى أنه "لا يمكن فصل الأساطير عن الدين".
في هذا الفصل أيضًا، استقصى المؤلف أصول وجذور 15 أسطورة ومعتقدًا مقدسًا في ثقافات حضارات الأزمنة الغابرة.
يتناول الفصل الثالث العلاقة بين الدين والعلم، بدءًا بتعاريف الدين من منظور العلم ونظريات نشأته. من أهم هذه النظريات، نظرية الأرواحية التي أسسها هربرت سبنسر. والنظرية الثانية هي النظرية الطبيعية، وقد اكتسبت اسمها من إرجاع ماكس موللر، أحد أهم أركانها، نشأة الدين إلى التأثيرات القوية لأفعال الطبيعة على الإنسان. كما أضاء المؤلف على النظرية الاجتماعية، ويقف على رأسها إميل دوركهايم. ولم يفته الوقوف عند النظرية العاطفية، التي تُعيد نشأة الدين إلى عاطفتين رئيستين لدى الإنسان، هما الطمع والخوف. واستحضر النظرية الفلسفية، حيث تفرض فلسفة هيجل نفسها، لمكانته بين الفلاسفة وخروج تيارات فلسفية عدة من عباءته رغم المآخذ على رؤاه، كما بيَّن المؤلف.
على صعيد رؤى علم النفس بالدين، فقد خُصصت لها مساحة واسعة شملت ثلاثًا منها لأهم رواد هذا العلم، وهم سيجموند فرويد، وتلميذه كارل غوستاف يونغ، الذي اختلف معه لاحقًا وأنشأ مدرسة علم النفس التحليلي، ثم إريك فروم. وتناول الجزء الثالث من هذا الفصل العلاقة بين العلم والدين، حيث ينفر الدين من كشوفات العلم وينظر إليها بعين الريبة والشك ولا يتردد في إشهار التكفير بوجهها. وقد نشبت أول معركة مفتوحة بين العلم والدين على أرضية اكتشاف كوبرنيكوس مركزية الشمس ودوران الأرض والكواكب كلها حولها.
ولم يتسامح الدين حتى اليوم مع نظرية داروين بخصوص أصل الأنواع وتطورها وتفرعها.
في الفصل الرابع، قدم المؤلف وفرة من الأدلة والبراهين على أن الأمم تتقدم بعقولها وليس بأديانها. كما خصص مساحة معتبرة لتوظيف المقدس (الدين) في خدمة المدنَّس (السياسة). وفي هذا الجانب، ركز على السياسة باعتبارها أكثر مجالات الفعل والنشاط الإنسانيين توظيفًا للدين في ألاعيبها، وحشره في صراعاتها والتواءاتها. وقد توقف طويلًا عند آلية القراءة الحرفية للنصوص الدينية وإهدار سياقاتها التاريخية ضمن ضروب التفنن في ابتداع أساليب توظيف الدين في خدمة أباطيل السياسة، كما يفعل الكيان الصهيوني لتبرير سلب فلسطين وأراضٍ عربية محتلة بدعوى أن إلهًا اسمه "يهوه" منحهم إياها، وكأن هذا الإله اقطاعي بحوزته الكثير من الأراضي أو تاجر أراضٍ يمنحها لمن اختارهم "شعبه الخاص" دون غيرهم من الشعوب. وأشار إلى أن خرافة "شعب الله المختار"، إنما تنطلق هي أيضًا من آلية القراءة الحرفية للنصوص الدينية.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم