على الرغم من مرور سنوات على انتهاء القصف والمعارك، لا تزال مدينة داريا في ريف دمشق تعاني من تبعات الحرب. وتُعد أزمة المياه من أبرز المشكلات التي تواجه السكان، وتُظهر حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية، وتزيد من صعوبة الحياة اليومية، خاصة خلال فصل الصيف.
نقص مستمر ومعاناة يومية
يقول ياسر جمال الدين، مدير المكتب الإعلامي وأحد أبناء المدينة، في حديث خاص لمنصة “سوريا 24” إن أزمة المياه في داريا لم تعد مشكلة موسمية، بل أصبحت واقعًا دائمًا بسبب الانخفاض الكبير في كميات المياه الواردة من دمشق، والتدمير الممنهج لشبكة المياه والآبار من قبل نظام الأسد خلال السنوات الماضية، مما أدى إلى انهيار شبه كامل في منظومة التزويد. ويضيف: “قبل الثورة، كان في داريا أكثر من 90 بئرًا نشطة، واليوم لا يعمل منها سوى 8 فقط، بعد أن تم تأهيل 11 بئرًا، خرج 3 منها مؤخرًا عن الخدمة بسبب أعطال تقنية نتيجة الضغط عليها وتحتاج لصيانة عاجلة. وفي ظل غياب دعم رسمي، تعتمد عمليات الصيانة والتأهيل على جهود محلية شاقة، وتصل كلفة تأهيل البئر الواحد إلى نحو 15 ألف دولار أمريكي”.
صهاريج باهظة الثمن وقلق مستمر
في أحد أحياء داريا، يقف أبو لؤي حائرًا أمام براميل المياه الفارغة، محاولًا تأمين صهريج يكفي احتياجات عائلته اليومية. يقول لمنصة “سوريا 24”: “أنا ساكن بداريا مع الوالد والوالدة، المنطقة اللي أنا فيها ما فيها مي، وعم اشتري مي صهاريج. والي أساسًا صارت نادرة وبتتأخر كتير. ثمن خمسة براميل يتراوح بين 35 إلى 50 ألف ليرة، وأحيانًا أكثر حسب المنطقة. الوضع مو طبيعي والناس تعبت”. تُظهر شهادته مدى اتساع فجوة التوزيع، ليس فقط في غياب المياه النظامية، بل حتى في اضطراب خدمات الصهاريج، التي أصبحت عبئًا اقتصاديًا إضافيًا على السكان، في وقت تعاني فيه معظم العائلات من تدهور الدخل وارتفاع الأسعار.
مبادرات إسعافية بجهود أهلية
أمام هذا الواقع الصعب، لا تستسلم داريا. ففي الأشهر الأخيرة، انطلقت سلسلة مبادرات محلية تهدف إلى تأمين حلول إسعافية، شملت جمع التبرعات لصيانة بعض الآبار وإعادة تشغيلها، وتنظيم حملات تعبئة مياه مجانية للأحياء الأكثر تضررًا، بالتعاون بين متطوعين وأهالي مغتربين. يؤكد ياسر جمال الدين أن هذه المبادرات، على الرغم من تواضعها، تشكل “طوق نجاة” للمدينة، وتدل على قدرة المجتمع المحلي على مواجهة التحديات، لكنه يشدد على أن “حلّ الأزمة بشكل جذري يتطلب تكاتفًا أكبر من كل الفعاليات، إضافة إلى تدخلات هندسية ومؤسسية تضمن استدامة الخدمة”.
نداء مفتوح
تعكس أزمة المياه في داريا نموذجًا صارخًا لما تعانيه المدن السورية التي أنهكتها الحرب، حيث لا تزال البنية التحتية تعاني من التخريب والحرمان. وبينما يحاول السكان الصمود بالإمكانات المتاحة، تبقى الحاجة ملحة لدعم حقيقي يعيد المياه إلى مجاريها، ويمنح المدينة فرصة للحياة من جديد.