يواجه الصحفي الألماني-السوري سليمان تدمري سؤالاً جوهرياً يشغل بال آلاف السوريين المقيمين في ألمانيا: هل حان الوقت للعودة إلى الوطن بعد انتهاء الحرب وسقوط نظام بشار الأسد، أم أن البقاء في ألمانيا هو الخيار الأمثل؟ هذا السؤال، الذي لم يكن مطروحاً قبل سقوط النظام السوري، أصبح اليوم محور نقاش جدي، خاصة مع تزايد الانتقادات للهجرة واللجوء في ألمانيا، وظهور دعوات متصاعدة إلى "إعادة الترحيل".
تدمري، الذي يحمل الجنسية الألمانية ويعمل مراسلاً لبرنامجي بانوراما وSTRG_F، بدأ رحلة شخصية للبحث عن إجابة لهذا السؤال: هل لا يزال لديه مستقبل في ألمانيا في ظل تنامي العنصرية؟ وهل ما زالت هناك سوريا يمكن العودة إليها بعد مرور أكثر من 13 عاماً على الحرب؟
عودة محدودة رغم سقوط الأسد
تشير البيانات الرسمية إلى أن حوالي 4,000 سوري غادروا ألمانيا في النصف الأول من عام 2025 للعودة إلى بلادهم. من بين هؤلاء، استفاد 995 شخصاً من برنامج العودة الطوعية "REAG/GARP 2.0" الذي تموله الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات، ويتضمن منحة لبدء حياة جديدة بقيمة 1,000 يورو للفرد (بحد أقصى 4,000 يورو للعائلة)، بالإضافة إلى بدل سفر وتغطية تكاليف الرحلة، وربما النفقات الطبية. كما تم تسجيل 193 حالة عودة أخرى عبر برامج محلية في بعض الولايات، بينما غادر 2,727 سورياً دون أي دعم مالي. يبلغ عدد السوريين المقيمين حالياً في ألمانيا حوالي مليون شخص، وصل معظمهم خلال موجة اللجوء الكبرى في عامي 2014 و2015.
قصص متباينة بين البقاء والعودة
خلال رحلته، التقى تدمري بسوريين يحملون وجهات نظر مختلفة: محمد، وهو عامل معادن من دورتموند، قرر العودة نهائياً إلى سوريا ضمن برنامج العودة الطوعية، مدفوعاً برغبته في لم شمل أسرته والمساهمة في إعادة إعمار بلده بخبراته الجديدة. لين، وهي طالبة جامعية تعيش مع والدتها في برلين، ترى أن ألمانيا لا تزال أكثر أماناً لها من سوريا، خاصة إذا خضعت البلاد لحكم إسلامي، وتعتبر أن مستقبلها هنا. ماهر، وهو طبيب أسنان في ولاية شمال الراين-وستفاليا، يضع مع خطيبته الألمانية "خطة بديلة" تحسباً لوصول حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) إلى السلطة، في ظل المخاوف التي تجتاح جزءاً كبيراً من الجالية السورية.
هل يمكن أن تكون ألمانيا وطناً؟
لا يقتصر تدمري على طرح الأسئلة على نفسه، بل يوجهها أيضاً إلى الساسة الألمان: هل يمكن أن يجد السوري وطناً في ألمانيا؟ وإذا كان الجواب نعم، فما هي الشروط؟ هذه تساؤلات تهم الجميع، وليس فقط من لديهم خلفية هجرة.
استطلاع للرأي: انقسام في الموقف من العودة
أظهر استطلاع أجرته مؤسسة infratest dimap لصالح بانوراما أن 52% من الألمان يؤيدون عودة السوريين غير المندمجين بسرعة إلى وطنهم، بينما يرى 25% ضرورة العودة السريعة للجميع بغض النظر عن مستوى اندماجهم. في المقابل، رفض 13% العودة في الوقت الحالي، و4% رفضوها بشكل كامل. أُجري الاستطلاع بين 30 يونيو و2 يوليو 2025 وشمل 1,312 شخصاً من الناخبين المؤهلين في ألمانيا.
فيلم يتجاوز القصة الفردية
فيلم "وقت الرحيل؟ ألمانيا، سوريا، وأنا" لا يقتصر على قصة تدمري، بل يتناول تساؤلاً أوسع: كم تبقى من معنى للوطن في ألمانيا التي يبدو أن تشديد سياسة اللجوء وزيادة عمليات الترحيل أصبحت من أولوياتها؟