مع إقرار «كابينت الحرب» الإسرائيلي خطة للسيطرة العسكرية على قطاع غزة، تعود إلى الأذهان تداعيات الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005، الذي يعتبره قادة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية السابقون حدثاً مفصلياً جاء بعد 38 عاماً من الاستيطان.
آنذاك، جاءت خطوة إعادة الانتشار والانسحاب الأحادي من 22 مستوطنة في غزة، بعد انتفاضة الأقصى الثانية التي استمرت أربع سنوات، في ظل قدرات عسكرية محدودة لفصائل المقاومة الناشئة.
اليوم، وفي أعقاب عملية «طوفان الأقصى»، تسعى إسرائيل إلى استغلال الوضع لتحقيق أهداف أبعد، تصل إلى تدمير القطاع وتهجير السكان، إلا أن فكرة إعادة احتلال غزة تثير جدلاً واسعاً، حيث نقلت «هيئة البث الإسرائيلية» عن مصادر أمنية مخاوف من تكرار سيناريو سقوط الجنود والمدنيين، فيما حذر رئيس أركان الجيش، إيال زامير، في اجتماع «الكابينت» من تحول غزة إلى «مصيدة موت» للجنود.
تراجعت حدة الخطة بعد اعتراض وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموترتش، الذي اعتبرها لا ترقى إلى مستوى الاحتلال الكامل، ولا تسعى إلى حسم عسكري، بل تهدف فقط إلى إعادة «حماس» إلى طاولة المفاوضات.
وعلق مراسل قناة «كان»، سلمان مسودة، بأن جميع الأطراف المعنية بإدارة الحرب غير راضية عن الخطة، ولا يوجد ضمان بأنها ستعيد الأسرى، وهو ما أكده أيضاً مراسل «القناة الـ15» العبرية، مشيراً إلى أن عدم رضا سموترتش ورئيس الأركان يعني أن الخطة لن تحقق حسمًا أمام حماس ولا تحرير الرهائن.
سيدفع أهالي مدينة غزة ثمناً مريعاً، إذ سيُجبرون على مرحلة جديدة من التهجير والنزوح.
وبعيداً عن الجدل الإسرائيلي، فإن بيت القصيد هو توجه الجيش إلى مدينة غزة، آخر المناطق التي لا تزال تحافظ على طابعها العمراني، ما يثير مخاوف من تكرار سيناريوهات تدمير مدن مثل رفح وبيت حانون وبيت لاهيا وخانيونس.
بالمقارنة مع الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، يبدو أن الهدف الحالي هو البقاء المؤقت والمحدود، وتنفيذ أهداف آنية مع الانسحاب لاحقاً، كما حدث في مناطق مثل الشجاعية والزيتون والتفاح وبيت لاهيا وتل الزعتر وجباليا البلد.
يعني ذلك أن العدو لم يتمكن، بعد عامين من الحرب، من الوصول إلى صفر اشتباك في كل المناطق التي توغل فيها، وهو ما يقوض فرصة البقاء الطويل، لأن تمركز القوات سيجعل منها هدفاً أسهل لعمليات الاستنزاف والالتحام المباشر.
مع استحضار تصريحات رئيس أركان جيش الاحتلال السابقة التي ركزت على سلامة القوات وعدم الوقوع في فخ «حماس»، تبدو نقطة الخلاف التي يتوقف عندها سموترتش في الخطة الجديدة، هي البقاء، أي الاحتلال، وهي المفردة التي حذفها نتنياهو لأسباب قيل إنها قانونية.
في الخلاصة، يتجه جيش العدو بشكل جاد إلى احتلال مدينة غزة كمرحلة أولى، بعملية برية لا تحمل أهدافاً مغايرة لسابقاتها، مع هدف مضمر هو مزيد من التدمير والتخريب والهدم. غير أن هذه العملية، إذا كتب لها التنفيذ، لن تتحول إلى احتلال كامل مع سيطرة أمنية، ولكن إلى إعادة إنتاج لعمليات سابقة، تحدد الظروف الميدانية والتطورات السياسية حدودها وعمقها.
وفي غضون ذلك، سيدفع أهالي مدينة غزة، ثمناً مريعاً، إذ سيُجبرون على مرحلة جديدة من التهجير والنزوح، وسيعودون، مثل ما عاد أهالي الشجاعية والزيتون والتفاح، إلى غابة من الركام لا ملامح فيها لبيوت ولا لأحياء كانت في يوم ما نابضة بالحياة.