الأحد, 10 أغسطس 2025 04:41 AM

تصاعد التوتر بين دمشق و"قسد": هل يتحول الخلاف السياسي إلى صراع ميداني؟

تصاعد التوتر بين دمشق و"قسد": هل يتحول الخلاف السياسي إلى صراع ميداني؟

تصاعد التوتر بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والحكومة السورية في الأيام الأخيرة، نتيجة لحوادث أمنية ومواقف سياسية متبادلة. كان آخر هذه المواقف مؤتمر "وحدة الموقف لمكونات شمال شرقي سوريا"، الذي طالب فيه المشاركون بدستور ديمقراطي وإدارة لامركزية لشمال شرقي سوريا. ردت دمشق بتعليق المفاوضات التي كان من المقرر عقدها بين الطرفين في باريس، واتهمت "قسد" بانتهاك اتفاق 10 آذار الماضي.

جمود سياسي واشتباكات عسكرية

اعتبرت دمشق مؤتمر "وحدة الموقف" تقويضًا لجهود التفاوض، وأعلنت تعليق مشاركتها في اجتماعات باريس، مشترطة نقل أي حوار إلى العاصمة السورية. اتهمت دمشق "قسد" بمحاولة "إحياء نهج تقسيمي" و"تنفيذ سياسات تغيير ديمغرافي"، وفقًا لمصدر مسؤول في الحكومة السورية لقناة "الإخبارية" الحكومية.

في المقابل، أعلنت "قسد" اليوم، السبت 9 آب، أن مجموعة مسلحة تسللت عبر نهر الفرات باستخدام قارب، واستهدفت نقطة عسكرية في بلدة الجزرات بريف دير الزور الغربي بقذيفة "آر بي جي". ردت قوات "قسد" بشكل مباشر واندلع اشتباك قصير قبل فرار المهاجمين. لم تسفر العملية عن خسائر بشرية في صفوف "قسد"، التي بدأت عمليات تمشيط في المنطقة، بحسب ما نشره المركز الإعلامي لـ"قسد" عبر "فيسبوك".

كما اتهمت "قسد" مسلحين من جهة سيطرة الحكومة السورية في الضفة المقابلة للفرات، باستهداف أربعة مدنيين في قرية حويجة الفيحمات بريف دير الزور الشرقي، مما أدى إلى إصابتهم بجروح متفاوتة. نفى مراسل عنب بلدي في دير الزور رواية "قسد" التي تتهم الحكومة السورية باستهداف المدنيين الأربعة. وأفاد المراسل أن "قسد" أطلقت النار على مدنيين حاولوا عبور النهر من مدينة البصيرة بعد الساعة الثامنة مساءً (الموعد المحدد لإغلاق المعبر). وأضاف أن أحد عناصر الأمن الداخلي الموجودين على الطرف الآخر من النهر أصيب برصاص "قسد".

اتهمت "قسد"، في بيان رسمي صادر عبر صفحة مركزها الإعلامي في "فيسبوك" حكومة دمشق بارتكاب خروقات متكررة لوقف إطلاق النار في مناطق دير الزور، ودير حافر، وسد تشرين، وتل تمر. وقالت القوات إن فصائل الحكومة السورية هاجمت مناطق شمال شرقي سوريا لأكثر من 22 مرة، مطالبة حكومة دمشق والفصائل التابعة لها، والفصائل "المدعومة من تركيا"، بوقف جميع الخروقات فورًا والالتزام ببنود الاتفاق.

موقف تركي داعم لدمشق

في 7 آب، قال مسؤول في وزارة الدفاع التركية، إن "قسد" لا تلتزم باتفاقية 10 آذار التي وقعتها مع الحكومة السورية للاندماج في مؤسسات الدولة. وفي 26 تموز الماضي، قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إن تركيا حذرت من أنها ستتدخل لمنع تقسيم سوريا، بعد رصدها استغلال مجموعات في شمالي البلاد وشرقها وغربها وجنوبها ما جرى في السويداء.

المحلل السياسي حسن النيفي، قال لعنب بلدي، إن إلغاء مفاوضات "باريس" من جانب الحكومة السورية يمثل رد فعل الحكومة السورية على مؤتمر "وحدة الموقف" الذي جرى برعاية "قسد" يوم أمس الجمعة، وليس نتيجة ضغوطات خارجية سواء من تركيا أو سواها. ويبدو أن الحكومة السورية اعتبرت المؤتمر استغلالًا للأوضاع الأمنية، ومحاولة لتجميع خصوم الحكومة السورية. لذلك، أرادت الحكومة السورية، وفق ما يراه النيفي، أن توجه رسالة إلى "قسد" تؤكد لها بأن الحكومة التي تحظى بالشرعية هي حكومة دمشق، وأن هناك دولة، وبقية الأطراف كـ"قسد" هي قوة أمر واقع فقط، وعليها أن تلتزم بسياسة الحكومة. عدم الذهاب إلى باريس لا ينفي أن تركيا ربما تعد راضية على قرار الحكومة بالانسحاب من هذه المفاوضات، ولكن القرار الفعلي هو رد فعل على مؤتمر "المكونات".

تأثير زيارة موسكو

زار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني العاصمة الروسية موسكو في 31 تموز الماضي، التقى فيها نظيره الروسي، سيرغي لافروف، ومن ثم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في لقاء وصفته إدارة الإعلام بوزارة الخارجية السورية بـ"التاريخي". وفي مؤتمر صحفي، أعقب الاجتماع، أعلن الجانبان إعادة النظر بالاتفاقيات الاقتصادية السابقة الموقعة بين الطرفين. وأكد لافروف أن روسيا تعارض محاولة بعض الأطراف زعزعة استقرار سوريا واستخدامها ساحة لتصفية الحسابات، مشيرًا إلى أن الخطوات التي اتخذتها سوريا وأعلن عنها الرئيس أحمد الشرع ستساعدها على تجاوز الأزمة التي تمر بها.

في هذا السياق، يعتقد المحلل السياسي حسن النيفي أن زيارة وزير الخارجية السوري إلى روسيا كان لها علاقة بمؤتمر "وحدة الموقف" الذي حدث يوم أمس، وذلك بسبب الاستياء الأوروبي الذي أحدثته الزيارة، وخاصة من جهة فرنسا. ويرى النيفي أن مؤتمر الحسكة كان بدافع فرنسي، وهو رد فعل فرنسي تجاه مبادرة الحكومة بالانفتاح على روسيا.

مرونة في التصريحات وتعنت على الأرض

في 29 تموز الماضي، قال القائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي، في تصريحات لقناة "العربية" السعودية، إن قواته ستعمل على تطبيق جميع بنود الاتفاقية قبل نهاية العام. وأشار إلى أنهم ‏”متفقون مع الحكومة على وحدة سوريا بجيش واحد وعلم واحد”، وأضاف عبدي، بأن التواصل مفتوح مع الحكومة السورية، بشكل يومي، إلا أن اتفاق 10 آذار يسير ببطء، وأسباب هذا البطء تتعلق بجانبين، لا بجانب واحد. وأكد عبدي اتفاق الأطراف الكردية على طروحات "قسد"، لافتًا إلى وجود قلق من الاندماج بالجيش السوري من دون ضمانات دستورية، حسب قوله.

وبدورها أكدت الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في "الإدارة الذاتية"، إلهام أحمد، الالتزام بوحدة سوريا وسلامة أراضيها، ورفضهم القاطع لأي مشاريع تقسيم. وشددت، في مقابلة لها مع صحيفة النهار اللبنانية، على الالتزام باتفاقية 10 آذار بين الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد "قسد" مظلوم عبدي، والعمل على تنفيذها عبر اندماج حقيقي وشراكة في إطار الدولة السورية. واعتبرت تصور الإدارة لسوريا اللامركزية، كمطلب أساسي، يعالج العديد من القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية.

المحلل السياسي حسن النيفي، قال في حديثه إلى عنب بلدي إن المرونة التي نلحظها في تصريحات مسؤولي "قسد" و"الإدارة الذاتية" أمر معتاد عليه، فالجميع يردد بأنه مع وحدة الأراضي السورية، ولكن في الوقت ذاته تجري المطالبة بوضع اليد على مكتسبات تعتبر مكتسبات كبيرة. وهذه التصريحات لا تنعكس على المطالب، إذ لا تزال "قسد" ترفض الانضمام إلى الجيش السوري كأفراد، وتصر على الانضمام ككتلة واحدة. وتصر "الإدارة الذاتية" على الحفاظ على نفس التموضوعات الجغرافية التي تسيطر عليها. وتهدد هذه المشاريع كيان الدولة، وهي بمثابة مشروع لإنشاء دولة داخل دولة، وفي ظل هذه الطروحات يصبح الكلام عن سوريا الموحدة، والتصريحات اللينة، لا قيمة له على الإطلاق، ولن يكون هناك تراجع بالنسبة لقادة "قسد" عن متطلباتهم الأساسية التي يتمسكون بها، بحسب النيفي.

تسيطر "قوات سوريا الديمقراطية" على نحو ربع الأراضي السورية، وتحظى بدعم من التحالف الدولي، وعلى رأسه واشنطن، التي تدعم أيضًا حكومة دمشق الجديدة منذ سقوط نظام الأسد. وتتركز مناطق سيطرة "قسد" على شرق الفرات في سوريا، بينما تسيطر حكومة دمشق على معظم الجغرافيا باستثناء الشرق والسويداء في الجنوب.

مشاركة المقال: