الأحد, 10 أغسطس 2025 10:37 PM

هل تتخلى موسكو عن الأسد؟ تساؤلات حول تسليم الرئيس السوري السابق تطغى على العلاقات الروسية السورية

هل تتخلى موسكو عن الأسد؟ تساؤلات حول تسليم الرئيس السوري السابق تطغى على العلاقات الروسية السورية

عنب بلدي – عمر علاء الدين

في أعقاب زيارة وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إلى موسكو ولقائه بكل من وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 31 من تموز الماضي، تتصاعد التساؤلات في الأوساط السورية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي حول ما إذا كان الشيباني قد حمل معه إلى موسكو مطلبًا يتعلق بتسليم بشار الأسد وأعوانه المقيمين في روسيا تحت مسمى اللجوء الإنساني.

وخلال مؤتمر صحفي جمعه بوزير الخارجية الروسي، تطرق الشيباني إلى عدة قضايا تخص سوريا، مع التركيز على الشراكة مع روسيا في مسار العدالة الانتقالية. وأعرب عن تطلع سوريا إلى تعاون وتنسيق كامل مع روسيا لـ”دعم مسار العدالة الانتقالية فيها بما يضمن إعادة الاعتبار للضحايا”، مشيرًا إلى أن العلاقات السورية- الروسية تمر بمرحلة “حاسمة وتاريخية”، وأن التعاون مع روسيا يقوم على “أساس الاحترام”.

من جانبه، أكد لافروف خلال المؤتمر على إيمان روسيا الراسخ بأن الطريق نحو تطبيع الأوضاع في سوريا يكمن في الحوار الشامل، وتعزيز الوفاق الوطني، والسلم الأهلي، وحماية حقوق جميع فئات المجتمع السوري المتعدد الطوائف.

تجاهل القضايا الحساسة

إلا أن لافروف لم يتطرق خلال المؤتمر إلى قضية العدالة الانتقالية، أو تسليم الأسد ومعاونيه، للسلطات الروسية، أو إعادة الأصول المالية التي نهبها الأسد ووضعها في البنوك الروسية. ولم يصدر أي تعليق من الخارجية الروسية على تساؤلات عنب بلدي، بشأن وجود نية لتسليم بشار الأسد أو مقربين منه، أو ما إذا جرى نقاش ذلك خلال زيارة الشيباني إلى موسكو.

يرى الباحث السياسي الروسي ديمتري بريجع أن تصريحات الشيباني حول العدالة الانتقالية تعكس تحولًا عميقًا في العقل السياسي السوري الجديد، حيث يرى أنه “للمرة الأولى، يخرج مسؤول سوري إلى الخارج ويطالب شريكًا دوليًا كبيرًا مثل روسيا بدعم مسار المحاسبة لا التغطية”.

ويضيف بريجع أن الشيباني لم يذكر الأسد بالاسم، لكن رسالته كانت واضحة ومفهومة: من ارتكب الجرائم بحق السوريين يجب أن يُحاسب، ومن ساعده يجب أن يختار بين الدفاع عن الشعب أو التواطؤ مع جلاديه. ويرى أن موسكو أمام اختبار أخلاقي واستراتيجي، متسائلًا: هل روسيا مستعدة لتكون جزءًا من المصالحة الوطنية؟ هل تقبل أن تسلّم زمام المبادرة لحكومة تريد بناء شرعية جديدة على أسس القانون والإنصاف؟ أم أنها ستصر على حماية ماضيها على حساب مستقبل علاقاتها في الشرق الأوسط؟

في المقابل، لا يتوقع المحلل السياسي السوري حسام طالب أن تسلم روسيا رئيس النظام السابق، بشار الأسد، لدمشق، معتبرًا أنه طالما منحته اللجوء الإنساني، فليس لديها نية لتسليمه. ويرجح أن تعمل روسيا على مستوى إعادة بعض الأموال المنهوبة من سوريا، أو تجميد عمل الأسد وعائلته وأعوانه وإبقائهم في شبه إقامة جبرية، لكن تسليم بشار الأسد غير متوقع. وتستضيف روسيا بشار الأسد وعائلته وعددًا من المقربين منه، في حين يتهمه السوريون بأنه المسؤول الأول عن الجرائم والانتهاكات المرتكبة بحق الشعب السوري، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية والاعتقال والإخفاء القسري.

"زلة لسان"

من جهته، يرى المستشار المقرب من وزارة الخارجية الروسية رامي الشاعر أن لقاء الوفد السوري بالرئيس بوتين ووزير الخارجية لافروف يؤكد استعداد روسيا لمساعدة سوريا في جميع المجالات حتى تتمكن من التعافي الاقتصادي وتحسين الأوضاع المعيشية للشعب السوري، والتي يعتبرها العامل الأساسي للاستقرار الاجتماعي وعودة الحياة إلى طبيعتها.

ويضيف الشاعر أن روسيا تتفهم مسار العدالة الانتقالية، وأكدت استعدادها لمساعدة سوريا، معتقدًا أن هذا ما قصده الشيباني بالتعاون والتنسيق الصادق لمعالجة الأوضاع في سوريا. أما فيما يخص إعادة الاعتبار للضحايا، فيعتبر الشاعر أن هذا التصريح كان “زلة لسان من الشيباني”، لأن ذلك “خاص بالسوريين”، ويجب أن تتم تسويته على أساس المصالحة الوطنية لطي صفحة الماضي، والتركيز على الوحدة الوطنية والتخلي عما أسماها “النزعات الطائفية والعرقية”، وأخذ مصلحة الشعب السوري عامة بالاعتبار الأول.

ويضيف أنه للأسف، لم يستوعب الكثير من السوريين الدور الذي قامت به روسيا لإنقاذ سوريا من نشوب ما وصفها بـ”حرب أهلية طائفية واسعة” عدة مرات في سوريا. ويذكر على سبيل المثال أنه كان من الممكن أن تحدث حرب مدمرة، “فلولا التدخل الروسي سنة 2015 وإقناع فصائل المعارضة المسلحة، التي كانت توجد في ضواحي دمشق، بالانسحاب والانتقال إلى إدلب، لكانت دمشق دمرت”.

ويؤكد الشاعر أن روسيا أنقذت سوريا مرة أخرى “عندما أقنعت موسكو بشار الأسد بمغادرة سوريا والتخلي عن الرئاسة وإعطاء أوامر بحل الجيش السوري (جيش النظام) والأجهزة الأمنية، وعدم خلق معركة مع فصائل المعارضة، وهو ما أدى بالنهاية إلى تفادي حدوث اقتتال سوري- سوري وحرب أهلية طائفية واسعة”.

في 5 من آب الحالي، كشف رئيس “هيئة العدالة الانتقالية” السورية، عبد الباسط عبد اللطيف، أن الهيئة تعمل على بناء جسور مع “الإنتربول” وجميع الهيئات الدولية المعنية، لملاحقة بشار الأسد و”الجناة” من أسرته، وشقيقه ماهر قائد “الفرقة الرابعة” وغيرهم، بالطرق القانونية لتتم محاكمتهم. ولم يستثنِ عبد اللطيف محاسبة المتورطين من “الميليشيات” العابرة للحدود ومنها أعضاء من “حزب الله” اللبناني، ممن ثبت تورطهم في الدم السوري. وأكد أن العمل جارٍ على محاسبة رموز النظام السابق الذين ارتكبوا الانتهاكات، وملاحقتهم بالطرق القانونية، وإن كانوا فارين خارج البلاد، وأيضًا محاسبة المجرمين بحق الشعب السوري.

سيناريوهات محتملة

يؤكد المستشار الشاعر أن “روسيا أعطت ضمانات للأسد وأعوانه المقربين المقيمين في روسيا وعائلاتهم للعيش هناك، فعلى أي أساس يمكن أن تخلف روسيا بهذه الضمانات التي قدمتها وتسلم بشار الأسد ومن معه”. ويشير إلى عدم إمكانية تراجع روسيا عن الضمانات التي قدمتها والتي “أسهمت بإنقاذ سوريا”، على حد تعبيره. ويستغرب الشاعر “عدم استيعاب الكثيرين” مساهمة روسيا بتسلم النظام الجديد الحكم في سوريا بـ”شكل سلمي”، معتبرًا أن المطلوب من السوريين التخلي عن أي نزعات أو أحقاد طائفية، ومن خلال هذا يمكن أن تتمتع سوريا بما سماه بـ”العدالة الوطنية”.

وكان السفير الروسي في بغداد، ألبروي كوتراشيف، قد صرح في 3 من نيسان الماضي، في مقابلة مع قناة “الشرقية” العراقية، أن بشار الأسد له حق اللجوء في موسكو وتسليمه غير وارد. وأوضح أن روسيا لا تشارك في صفقات من هذا النوع، وأن سقوط بشار الأسد لم يحدث بسبب موقف روسي أو إيراني، بل بسبب الوضع في سوريا وموقف النظام نفسه.

وبحسب ما سمعه من نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، خلال زيارته إلى العراق، فإن من شروط إقامة بشار الأسد في موسكو ألا يكون له أي نشاط إعلامي أو سياسي.

وفي وقت سابق، صرح مصدر روسي تحفظ على نشر اسمه، لمخاوف أمنية، لعنب بلدي، بأن مصير بشار الأسد محصور ضمن عدة سيناريوهات، منها البقاء في روسيا وبقاء الوضع على ما هو عليه، وهو خيار مستبعد، لأنه يعني مشكلات مستقبلية لا تريدها روسيا مع سوريا، لأنها ستهدد مصالحها بطبيعة الحال. وهناك سيناريو آخر قريب من مصير يفغيني بريغوجن (قائد قوات “فاغنر” سابقًا، توفي بسقوط طائرته في آب 2023)، أو المعارض الروسي أليكسي نافالني (توفي بوعكة صحية في سجنه بروسيا في شباط 2024)، فمن الممكن تدهور حالته الصحية، وهذا أمر يحل جزءًا من المشكلات العالقة بين روسيا وسوريا، مع استبعاد سيناريو تسليم الأسد لدمشق، لأن هذه الحالة ستترك انطباعًا بأن موسكو تخون حلفاءها.

ويشير المصدر إلى أن لروسيا تاريخ طويل في تصفية واغتيال شخصيات سياسية شكلت قلقًا وتهديدًا لمصالحها في وقت ما، ومنها اغتيال العميل الروسي السابق ألكسندر ليتفينينكو في لندن، عام 2006، بعد أيام من تسممه بمادة اليورانيوم المشعة. ويضيف أن “كل أوراق بشار الأسد السياسية باتت محروقة، والسيناريو الأقرب أمام الأسد، هو الاغتيال”، فتسليمه يعني أن الأنظمة التي تتعاون معها روسيا ستخشى التعامل معها، وسيضر ذلك بسمعة روسيا، ويذكر بمصير القذافي وصدام حسين، صديقي روسيا السابقين، وروسيا لا ترغب بفتح دفاتر الماضي، مع الإشارة إلى تقلبات في السياسة الروسية، واحتمالية تحقيق تحولات في هذه السياسة حتى 2030، وإذا بقي الأسد حيًا حتى ذلك الوقت فقد يجري تسليمه.

مشاركة المقال: