عنب بلدي – مارينا مرهج – أعلنت وزارة الرياضة والشباب عن إطلاق المرحلة الثانية من خطتها المتكاملة لإعادة تأهيل البنية التحتية الرياضية في سوريا. يهدف هذا المشروع، الذي تؤكد الوزارة على توفر التمويل اللازم له، إلى إحياء الملاعب والصالات المتضررة في مختلف المحافظات، مع التركيز على تطبيق أحدث المعايير الفنية والخدمية.
وقد بدأ العمل بالمرحلة الثانية في 30 تموز الماضي، وذلك بعد الانتهاء من المرحلة الأولى التي تركزت على تنظيم عقود الاستثمار. يذكر أن أكثر من نصف المنشآت الرياضية في سوريا قد تعرضت لأضرار جسيمة أو دُمرت بالكامل منذ عام 2011، نتيجة العمليات العسكرية أو الإهمال الذي نجم عن النزوح وانقطاع التمويل، مما حول العديد من الملاعب إلى مساحات مهجورة أو أنقاض، وفقدت الصالات المغلقة تجهيزاتها الأساسية.
أعمال الترميم تتجاوز البنية التحتية
أكد مدير مديرية المنشآت والاستثمار المركزية في وزارة الرياضة والشباب، المغيرة حاج قدور، أن عمليات الترميم الحالية، ضمن خطة الوزارة، لا تقتصر على إصلاح البنية الأساسية كأرضيات الملاعب والمدرجات، بل تشمل تجهيز وتحديث جميع المرافق الخدمية. وأوضح قدور أن الخطة تتضمن غرف تبديل الملابس، والعيادات الطبية الملحقة، والمكاتب الإدارية، والمرافق الصحية، وشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وذلك بهدف تسليم منشآت رياضية جاهزة بالكامل لاستضافة الفعاليات الرياضية وخدمة الرياضيين والجمهور.
أولويات المشاريع وتمويلها
بدأ العمل الفعلي في خطة إعادة تأهيل البنية التحتية الرياضية في سوريا، من خلال تنفيذ مشاريع ترميم حيوية في إدلب وحلب وحريتان. وأشار المغيرة حاج قدور إلى أن هذه المناطق تحظى بأولوية قصوى نظرًا للحاجة الملحّة لإعادة النشاط الرياضي فيها، موضحًا أن ترتيب الأولويات تم بعد دراسات فنية وتقييمات ميدانية، مع مراعاة حجم الضرر والكثافة السكانية والرياضية. وأكد أن العمل يجري بالتوازي في المشاريع الثلاثة مع التركيز على إنجاز المراحل الأكثر أهمية لضمان عودتها الجزئية للخدمة في أسرع وقت ممكن، ضمن جداول زمنية محددة تخضع للمتابعة الدقيقة.
وكشف حاج قدور أن التمويل المخصص للمرحلة الثانية من الخطة تم رصده ضمن الموازنة الاستثمارية للوزارة للعام المقبل، وهو يعكس الأهمية التي توليها الحكومة لقطاع الرياضة، مبينًا أن حجم التمويل الدقيق سيتم تحديده بناء على نتائج الدراسات الفنية التفصيلية والكشوف التقديرية للمنشآت المستهدفة في المحافظات الأخرى. ويتم العمل على استكمال هذه الدراسات ليتم الإعلان عن المناقصات الجديدة وتحديد المبالغ المخصصة لكل مشروع بشفافية تامة، بحسب حاج قدور، مؤكدًا أن التمويل متوفر ويحظى بأولوية لضمان استمرارية الخطة دون أي عوائق.
آليات اختيار الشركات
قامت مديرية المنشآت والاستثمار المركزية في وزارة الرياضة والشباب بتوقيع عقود مع شركة "الراقي" لترميم ملعب وصالة "الشيخ تلت" في إدلب، وأخرى مع شركة "البناء والتعمير" لترميم صالة "الاتحاد" في حلب، بالإضافة إلى إطلاق مشروع ترميم نادي الفروسية في حريتان. وفيما يتعلق بآلية اختيار الشركات المنفذة، أكد حاج قدور التزام الوزارة بالقانون رقم "51" لعام 2004 الناظم للعقود العامة، مبينًا أن التعاقد مع شركات مثل "الراقي" و"البناء والتعمير" جرى عبر مناقصات علنية، وأن معايير الاختيار شملت الكفاءة الفنية، الخبرة السابقة، القدرة المالية واللوجستية، وأفضلية السعر. وبشأن ضمان جودة التنفيذ، أوضح أن كل مشروع يخضع لإشراف لجان فنية متخصصة من مهندسين وفنيين من الوزارة وللجهات العامة ذات الخبرة، وفقًا لأحكام المرسوم "450" لعام 2004. وأكد أن هذه المشاريع تخضع أيضًا لرقابة الجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، بما يضمن مستويات متعددة من الرقابة الفنية والمالية والإدارية.
التوزع الجغرافي للمشاريع
ستشمل المرحلة الثانية من المناقصات كلًا من دمشق وحمص وحماة واللاذقية ودرعا ودير الزور، بهدف تحقيق التوازن الجغرافي في التنمية الرياضية. وتختلف الأولويات من محافظة إلى أخرى، وفق مدير مديرية المنشآت والاستثمار المركزية في وزارة الرياضة والشباب، إذ تتركز الجهود في دمشق على الصالات متعددة الاستخدامات، وفي حمص وحماة على الملاعب الرئيسة، بينما في اللاذقية ودرعا ودير الزور يجري العمل على مزيج من الملاعب والصالات التدريبية. وأكد حاج قدور أن العمل يتم بروح تشاركية، إذ جرى عقد اجتماعات وورشات عمل مع ممثلي الأندية واتحادات الألعاب في كل محافظة مستهدفة، للاستماع إلى احتياجاتهم وأولوياتهم. وأوضح أن هذه المدخلات شكّلت جزءًا أساسيًا من دفاتر الشروط الفنية للمشاريع، بهدف ضمان أن تلبي النتائج النهائية طموحات الأسرة الرياضية في كل منطقة.
وفي سياق الحديث عن استمرار النشاط الرياضي خلال أعمال الترميم، أوضح حاج قدور أن الوزارة وضعت خطة لتأمين بدائل مؤقتة بالتعاون مع اللجنة الأولمبية السورية والأندية المحلية. وتشمل الخطة إعادة توزيع الجداول التدريبية على منشآت أخرى في نفس المحافظة أو المحافظات المجاورة، وتجهيز ساحات مفتوحة للتدريب، بالإضافة إلى دعم الأندية لتأمين وسائل النقل عند الحاجة. وقال، "هدفنا هو ضمان عدم انقطاع النشاط الرياضي قدر الإمكان خلال هذه الفترة الانتقالية الضرورية".
خطة وطنية طويلة الأمد
اختتم مدير مديرية المنشآت والاستثمار المركزية في وزارة الرياضة والشباب، المغيرة حاج قدور، حديثه لعنب بلدي، بالتأكيد على أن ما يجري اليوم ليس رد فعل على الأضرار، وإنما جزء لا يتجزأ من خطة وطنية استراتيجية شاملة وطويلة الأمد تهدف إلى النهوض بالبنية التحتية الرياضية في جميع أنحاء سوريا. وستمتد هذه الخطة على عدة مراحل تشمل التوسع المستقبلي وإنشاء منشآت جديدة، بما يسمح بعودة سوريا لاستضافة البطولات الإقليمية والدولية، ويوفر بيئة آمنة وحديثة لممارسة مختلف الأنشطة الرياضية. وقال، "رؤيتنا هي بناء قطاع رياضي قوي ومستدام، يبدأ من بنية تحتية حديثة تتيح لأبنائنا وبناتنا ممارسة رياضاتهم في أفضل الظروف الممكنة، وتسمح لسوريا بالعودة لاستضافة البطولات الإقليمية والدولية".
ومع انطلاق خطط إعادة التأهيل، يبدو المشهد الرياضي السوري أمام فرصة تاريخية لاستعادة دوره الاجتماعي والثقافي، فإصلاح هذه المنشآت لا يعني فقط إعادة بناء جدران ومدرجات، بل إعادة بناء الروح الرياضية التي لطالما كانت مساحة للالتقاء بين السوريين، مهما اختلفت مناطقهم وخلفياتهم.